صدر أخيرا عن دار الإسراء في جمهورية مصر العربية كتاب "فتح الباقي على منظومة المراقي" لمؤلفه الشيخ العالم المحقق محمد بن الشيخ البركة محمد محمود بن المرابط محمد المصطفى بن دية اليعقوبي نسبا، وهو كتاب مهم لطلبة علم الأصول عامة، وطلبة متن المراقي على وجه الخصوص.
وقد انصب فيه اهتمام المؤلف على بيان المتن الذي ظل أزمنة طويلة عصيا على الطلاب رغم كثرة ما كتب عليه من الشروح.
وقد رجع مؤلفه الى عدد وافر من المؤلفات الأصولية، ولخص منها مادة غنية، مثل البحر المحيط للزركشي ومؤلفات السبكي والقرافي وغيرها.
كما رجع كذلك إلى شروح المراقي كشرح المؤلف وشرح الشيخ آب بن اخطور، وشرح الشيخ أباه بن عبد الله حفظه الله، نفع الله بهم جميعا ورحم من مات منهم. وقد لخص بعض ما اشتملت عليه هذه الشروح مثمنا ما فيها من المسائل المحررة، ومناقشا ومتعقبا لبعض ما وقع في كلامهم مما يستدعي التصحيح والمناقشة على عادة الأجلاء قديما وحديثا وذلك في مسائل عديدة.
ومن ذلك مناقشته لما وقع في بعض الشروح، من اختيار إفراد المجتهد في قول المراقي في تعريف الإجماع:
وهو الاتفاق من مجتهدي ** الأمة من بعد وفاة أحمد
معللا بعموم المفرد المضاف، فبين أن هذا التركيب لا يستقيم أصلا فضلا عن أن يكون أولى؛ فالاتفاق لا يصح إسناده إلى الواحد، وإن اقترنت به أداة عموم، كما لا يستقيم أن يقال - مثلا - : إذا تنازع رجل فأصلحوا بينه .
ومثل استدلال بعضهم في الكلام على تعريف الفرع معترضا ما ذكر الناظم من تعلق الحكم بصفة فعل المكلف حيث يقول :
والفرع حكم الشرع قد تعلقا ** بصفة الفعل كندب مطلقا
بقول البيضاوي في المنهاج: "والحكم متعلق بفعل العبد، لا صفته"، فبين الشارح أن كلام البيضاوي لا صلة له بهذا أصلا، وأن الصفة في قوله: لا صفته بالرفع عطفا على متعلق، وليس معطوفا على فعل. ونقل كلام شراحه على ذلك.
وكقوله في شرح قول المراقي:
من القوادح كما في النقل ** منع وجود علة للأصل: إن بعض الشراح التبس عليهم القدح بمنع وجود علة الأصل، بالقدح باختلاف الضابط .
وكقوله في كتاب الاستدلال إن عدهم لوجود السبب والشرط وانتفاء المانع من الاستدلال غير الموجود في ما وقف عليه من كتب الأصول ، وأن الذي عده الأصوليون من الاستدلال هو " وُجد المقتضي أو الشرط" أو " فُقد المانع"، بصيغة الفعل، لا وجود أو فقد بصيغة المصدر، وأشار إلى أن الفرق بين وجد المقتضي؛ ووجود المقتضي؛ هو الفرق بين انتفاء المدرك؛ والاستصحاب، فأولهما دعوى، والثاني دليل .
كما دخل في نقاشات مفيدة في مواضع عديدة كنقاشه مع بعض الاصوليين في جعل مثل " اترك " أمرا، واستدل على كونه نهيا بآية تحريم الخمر {فاجتنبوه} {فهل أنتم منتهون}.
وكنقاشه مع القرافي في فتح الذرائع، إلى غير ذلك مما يطول تتبعه وكما يقال عين الجواد فراره فالاطلاع على هذا الشرح المفيد كفيل باكتشاف ما تضمنه من فوائد وإضافات علمية..