تمتد مزارع الأرز على مساحات شاسعة على الضفة المحاذية للنهر، حوزات زراعية بأشكال هندسية متنوعة، تسورها المتاريس وقنوات جلب المياه من النهر،فيما تتناثر بين جنباتها أخبية وأعرشة يتخذها المزارعون أماكن للإيواء ونقاط حراسة، ولا زالت المساحات الزراعية تحمل آثار معارك محتدمة مع الطيور أواخر موسم الحصاد قبل أشهر معدودة.
ولازالت الحشائش ونباتات "السافانا" بأغصانها الممتدة تملأ جنبات المكان رغم محاولات البعض تهيئة حوزاتهم الزراعية لاستقبال الموسم الجديد.
مطالب ثابتة
ومع إطلالة كل موسم يطرح مزارعو الضفة مطالبهم التي يأتي في مقدمتها توفير الأسمدة، والمبيدات الحشرية، ومكافحة الآفات الزراعية والبذور والتحكم في قنوات الري، وينفرد مزارعو الأرز بمطلب حل مشكل الحاصدات الزراعية...
محمد محمود ولد إسماعيل المسؤول الإعلامي للاتحادية الوطنية لمزارعي الضفة يشخص مشاكل المزارعين في لقاء مع موقع الفكر بقوله: إن المساحات الزراعية المستصلحة للأرز بلغت هذا الموسم 36 ألف هتكار وعلى مستوى الخضرة تبلغ المساحة المزروعة 8000هتكار، ويظل من المشاكل المطروحة:
-نقص التمويل فلا يوجد غير صندوق القرض CDD
-ضعف وسائل مكافحة الآفات الزراعية رغم استعانة الوزارة بطائرة مسيرة هذا الموسم.
-من المشاكل كذلك توفير الحاصدات بالشكل الكافي ولدى المزارعين تجارب غير جيدة في المواسم السابقة ولا يتوفر اليوم سوى 33 حاصدة على الأرض.
-مشكل توفير المياه في القنوات المتصلة بالنهر والتي غالبا ما يسدها تراكم النفايات وهي مسؤولية الوزارة الوصية.
-انتشار النباتات الضارة كعشبة "انتيكان" والتي أصبحت عصية على المبيدات المتوفرة، وهي تلحق أضرارا بالمساحات المستصلحة.
وفيما يتعلق بزراعة الخضروات قال ولد إسماعيل إن هناك مشكل التسويق وتوفير نقاط التخزين والعجز المزمن في توفير الأسمدة هذا الموسم، وذلك رغم عدم السماح للمزارعين بشرائها من القطاع الخاص.
ورغم كثرة التعهدات فإن مشاكل المزارعين تظل الأكثر.كما يمثل التقشير عقبة أخرى مما يحتم على المزارعين اللجوء إلى أصحاب الماكنات الصغيرة في ظل عزوف المصانع الكبيرة عن استقبال الكميات الصغيرة.
ويسوق المزارعون كمثال لمشاكل القطاع إصابة محصول ثمرة "القرع" هذا الموسم بآفة خطيرة لم تفلح جهود الوزارة الوصية في علاجها ولا في الكشف عن أسبابها وأدت إلى تلف كميات كبيرة من هذا المنتج، وحتى بالنسبة لمن سلموا من هذه الآفة فإنهم اصطدموا بعقبة التسويق عندما اكتشفوا عدم منطقية الأسعار التي استقبلهم بها التجار في ظل المنافسة غير المتكافئة للخضروات المستوردة.
في القرى القريبة تحدث المزارعون للفكر عن استفادتهم من مشروع الشيشة الذي أطلقته السلطات، ويعتمد على استصلاح مئات الأفدنة من أراضي النهر وتوزيعها على السكان، مشروع لا يزال البعض ينظر له بكثير من الشك والريبة ،ليس فقط لضبابية المعايير المعتمدة في التوزيع والتي لم تكن عادلة وفق مسؤولي بعض القرى لكن المشكل الابرز من وجهة نظرهم هو في نظام الري وقنوات جلب المياه من النهر والتي قد تكون أخفض في بعض الأحيان من مستوى الأراضي المستصلحة، مما يعني ضعف استفادة المزارعين من هذه الشبكة.
تعهدات وخيبات أمل
معظم المزارعين عبروا لموقع الفكر عن خيبة أملهم في التعهدات الحكومية لحل المشاكل المطروحة خاصة على مستوى توفير الحاصدات والجرارات عندما أعلن وزير الزراعة عن التعهد بشراء 120 حاصدة، و160 جرار، لدعم القطاع الزراعي، كما التزم فاعلون في القطاع الخاص وتحديدا اتحاد أرباب العمل الموريتانيين بتوفير هذه الآليات لكن بعد سنة من هذا التعهد لا زالت الأمور تراوح مكانها وجرى فقط توفير 33 حاصدة، من أصل 120، فلم تبحث قضيتهم، رغم أهميتها في منطلق كل موسم زراعي.
كما أن مشاكل ضعف البينة التحتية وعدم وصول خطوط شبكة الكهرباء إلى مناطق الإنتاج وارتفاع تكلفة النقل بسبب مضاربات الناقلين مشاكل أخرى تطل برأسها هذا الموسم وتحتاج إلى تدخل عاجل وفق المزارعين.
الخضراوات وتحدي التخزين
وإذا كانت الحاصدات وتوفير الأسمدة والمبيدات أبرز عوائق زراعة الأرز فإن التخزين والتسويق من عوائق تطوير زراعة الخضروات في منطقة النهر خاصة في ظل منافسة شرسة من واردات الخضروات من الضفة الأخرى للنهر.
ويعرف تموين الأسواق بالخضروات تذبذبا من حين لآخر انعكس على الأسعار مما أوصلها إلى مستويات غير مسبوقة في الآونة الأخيرة، وقد فاقمت تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية -الأوكرانية من غلاء الخضروات. كما يؤكد متابعون للأحداث.
وكان وزير الزراعة الموريتاني آدما بوكار سوكو قد تحدث بداية شهر مايو المنصرم عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة لإنجاح الحملة الزراعية الصفية.
وقال إن لقاءه بمزارعي الضفة سيمكن من إيجاد حلول لنقص المياه في بعض القنوات الناتج عن طبيعة الاستصلاحات، وهو ما ستباشره الشركة الوطنية للاستصلاح الزراعي والأشغال "سنات" من خلال تنظيف وتعميق القنوات من أجل حل هذه المشكلة بسرعة في ظل التزام منظمة نهر السنغال بالحفاظ على منسوب مرتفع للماء في سد جاما، داعيا في هذا الإطار المزارعين إلى مراعاة طاقة القنوات من أجل الحصول على المياه الكافية للري طيلة الموسم، واستخلاص العبر من التجارب المتكررة لمشكل المياه.
وكشف الوزير عن تعبئة فرق مكافحة أرضية مجهزة بآلات رش المبيدات الكيميائية وبطائرتين مسيرتين، كما يتم التحضير لاقتناء أربع طائرات مسيرة لتعزيز فعالية مكافحة هذه الآفة الخطيرة، وفي ذات السياق تم الاتفاق مع وزارة الدفاع للتدخل عن طريق طائرة عسكرية لاحتواء تهديد الطيور للمزارع، كما تم الاتصال بالجهات المعنية في السنغال من أجل
تفعيل اتفاقية المكافحة المشتركة عبر الحدود المتوقفة منذ عام 2012 والهادفة إلى مكافحة المبيتات التي تأتي منها الطيور داخل الأراضي السنغالية.
وبين أن استئناف حملة الشهادات المنتجين للزراعة في مزرعة امبورية بعد توقف دام ثلاث سنوات أي ست مواسم، يأتي تتويجا لجهود الوزارة الهادفة إلى استغلال المقدرات الزراعية وخلق فرص عمل والحد من البطالة في صفوف الشباب.
وأشار إلى أن قطاع الزراعة قادر على استيعاب عدد كبير من شبابنا الذي يعاني من البطالة، حيث تم مؤخرا في هذا الصدد توقيع اتفاقية شراكة مع قطاع التشغيل لمواكبة حملة الشهادات وتسهيل حصولهم على القرض الزراعي.
وأوضح أن القطاع بذل مؤخرا جهودا جبارة بتبني خطة انتاجية استراتيجية لتعويض النقص في التموين بالخضروات الأساسية، تمثلت في إبرام عدة اتفاقيات شراكة مع بعض الفاعلين الخصوصيين، نقطف اليوم ثمار هذه الشراكة وعمليات حصادها.