يقوم العمل السياسي على قاعدة المبادئ الدستورية والقوانين المنظمة له وهي الفيصل أولا وأخيرا، ولا يمكن لبعض التوافقات الآنية أن تحل محلها ولا أن تشكل بديلا عنها في حالة حدوثها، فنحن في الاغلبية لا يوجد بيننا أي خلاف مع المعارضة على الثوابت الوطنية الاساسية، ولأول مرة تُسلّم المعارضة بكل أطيافها بشرعية الرئيس ومشروعيته دون دخنٍ ولا تشكيك، واستدعاء مواضيع للتحاور من نوع المواضيع التي لا خلاف عليها لإعطاء الانطباع بأنها مثار خلاف هو مغالطة كبرى، فالحوار حول مسألة العبودية وآثارها ومسألة الوحدة الوطنية يَفترِض وجود طرفين ووجهتي نظر متباينتين حول هذه المواضيع، وهو أمر غير صحيح، وعلى ذلك قس باقي القضايا المقترحة.
لقد نزع رئيس الجمهورية فتيل كل احتقان سياسي وعمل بنجاح على تطبيع العلاقة بين كل أطراف المشهد السياسي لإتاحة تنافسٍ إيجابي بين هذه الاطراف، وما عدى ذلك فهو تنويم للاغلبية، وتضييع لوقتها في محاولات عبثية لن يكتب لها النجاح بغية تذويب التباين المشروع بين البرامج والرؤى الوطنية أغلبية ومعارضة، والذي هو وقود ومحرك الصراع الاجتماعي الخلاق والضروري لكل حياة ديمقراطية تحتكم لإرادة الناخب وصناديق الاقتراع.
وحين يُعلن بعض أطراف هذا المشهد ومن الآن استعدادهم لخوض المنافسة في أفقٍ يمتد لأكثر من سنتين، فهم بذلك إنما يُعلنون أن طريقهم خِلو من كل عقبةٍ سياسية أو قانونية، وبالتالي فهم غير مستعدين لتضييع وقتٍ يُعتبر تكريسه لإقناع الناخب أولى، وهو نفسه الرأي الذي يسود الاغلبية التي نعتقد أنها أولى باستثمار ما بقي لديها من وقت في تحقيق تعهداتها وتعزيز مكاسبها وضمان ولاء قواعدها، وتلك هي المعركة الحقيقية لكل طرف سياسي في أفق استحقاقات بدأت تُظل المشهد السياسي وتفرض أجندتها وإكراهاتها.