وسقط أصحاب الإبتزاز فى فخ سوء التقدير ! /سيدي أحمد باب

"لاتوجد أزمة سياسية بالبلد، والتشاور مستنر كلما دعت الحاجة إليه '.. بهذه الثنائية رسم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى ملامح نصف المأمورية الأولى من حكمه، يخطط وينفذ ويستشير أهل الرأي والاختصاص كلما دعت الحاجة لذلك دون إسراع مخل أو انتظار مربك.

وسط خيوط اتصال مفتوحة مع كل القوى السياسية بالبلد، بعد عقود من ثقافة الحزب الواحد والأحكام الإستثنائية، ولو تدثر أصحابها بلبوس المدنية الزائفة، ورفعوا شعارات التحول الديمقراطى، وخلعوا نياشين العسكر تحت ضغط الغير وإكراهات اللحظة الراهنة.

لم يقبل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى طرح رؤيته وبرنامجه للتشاور أو المراجعة، وهو البرنامج الذى زكاه الشعب وأختاره لتدبير خمس سنين من عمر الدولة الحديثة ، ولا قبل بعرض نفسه على القوى السياسية الراغبة فى ذلك ، ولكنه تحول - بفعل سلوكه وتعاطيه مع النخب الوطنية- من رئيس منتخب فى ظرفية بالغة الحساسية والتوتر إلى رجل إجماع دون أن يطلب ذلك أو يسعى إليه.

لقد تمكن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى من تجسير هوة الخلاف بين المعارضة الراديكالية و الرئيس المنتخب، لكنه فى المقابل لم يغلق الباب أمام القوى الداعمة له ولم يتنكر لها، وظل يتشاور مع الجميع كلما رأي أن بعض القضايا تحتاج إلى التشاور أو المراجعة، وأن بعض الإجراءات تحتاج إلى التطوير وإشراك الغير ، ولكن دون الرضوخ لشروط من أدمنوا الإبتزاز، فلا الحوار يتطلب كل ذلك، ولاتسيير البلد بحاجة إلى الإستثمار فى أمزجة لايراد لها أن تصفوا إلا لتعود من جديد إلى واقعها المرير وتشبثها بكل ماهو مناف لقيم الديمقراطية والأخلاق السياسية وآليات الحكامة والتدبير الرشيد.

إن ااقضايا المطروحة بإلحاح كملف تعزيز الوحدة الوطنية ومراجعة المنظومة الانتخابية وتوازن السلطة وتوزيع المال بين أبناء البلد بقسط وعدل، ومحاربة غلاء الأسعار وتعزيز المنظومة الصحية وإصلاح التعليم وتطوير موارد البلاد وصيانة الموجود منها، وتنظيم الإدارة وتسهيل مهامها والتقطيع الإدارى اللازم لأي توازن، قضايا يمكن الحسم فيها دون انتظار رأي معارض أو حشد الموالين ، إنها صلاحيات الرئيس المنصوص عليها فى جل الدساتير التى بها حكمت البلاد وإليها يحتكم الناس منذ الإستقلال إلي اليوم.

يليق بالرئيس - ويفعلها فى الغالب- أن يستشير أهل الرأي والحكمة والتجربة من مختلف الاتجاهات السياسة بالبلد، ولكنه فى النهاية هو المسؤول عن تنفيذ السياسات العمومية وهو المحاسب عليها غدا أمام الناخبين. فلم الإرتهان للغير؟ وكيف تتعطل مصالح البلاد والعباد من أجل إجراءات شكلية أصحابها يريدون كل شيء إلا الحوار، ويناقشون كل قضية إلا آلية تسريع التشاور وإنجاز الأعمال المرتبطة به، واحترام الأجندة المتفق عليها فى وقتها المحدد !. إنهم مابين تجار مصالح أوباحثون عن تعطيل سير السلطة نحو الهدف المنشود، فى انتظار إعلان النهاية المتوقعة لأي حوار يشاركون فيه (فشل الحوار وقد نقاطع الإنتخابات القادمة لضعف الشفافية وغياب الضمانات المطلوبة، وتعذر احترام الأجندة الانتخابية لذا لزم التأجيل أو الإلغاء !).

لقد حاول يعضهم ابتزاز الرئيس يتعليقه غير المبرر للمشاركة فى الحوار وارباكه الأجندة الزمنية المتفق عليها. وسعى البعض الآخر لحشر التظام فى الزاوية والإستثمار فى انقسام فئوى وشرائحي متوهم، لكنهم لم يعرفوا طبيعة الرجل الذى أدعوا ذات يوم صحبته، فأنقلب السحر على الساحر، وأستجاب الرئيس لمنطق الأشياء المعتاد، فقرر تعليق الحوار إلى إشعار جديد، وهو قرار سيعيد للساحة بعض ألقها، والأجندة الحكومية إلى مسارها الصحيح، وللأحزاب المعارضة فرصتها فى التوجه إلى الشارع وتعبئة رأيها العام المرتبك، فذلك أنفع لها وللناس وأبقى لجذوة التدافع الديمقراطى قائمة، وصناديق الإقتراع مشرعة أمام كل صاحب مشروع يريد أن يعرضه على الشعب ليعرف حجم ثقة الشارع فيه وفى المشروع الذى أختار لكيانه وأرتضى لنفسه.