وسط مدينة سليبابي وأمام أحد دكاكين بيع المواد الاستهلاكية بأسعار مدعومة ترابط عشرات النسوة في انتظار دورهن في الحصول على حصص تموينية مدعومة، بعضهن التحق بطابور الانتظار الطويل ما بعد غروب الشمس فيما أمضى معظمهن ساعات الليل في هذا المكان يفترشن الأرض ويلتحفن السماء.
مانه بنت صمبه إحدى معيلات الأسر اللائي توحدهن ظروف الفقر والعوز ويلتقين كل مرة في مثل هذه المناسبات ويتجاذبن أطراف الحديث خلال ساعات الانتظار الطويل، عسى أن يجدن سلوة عن ظروف الفقر والحرمان،أو فسحة للابتعاد عن البيوت ومطالب العيال المكررة بتوفير الطعام.
تقول مانه في حديث لموقع الفكر إنها التحقت بطابور الانتظار بعد صلاة المغرب وقد أمضت ليلتها في عين المكان، وترى أنها محظوظة بعدما حصلت على رقم يثبت أحقيتها في الاستفادة من الحصص التموينية المدعومة، لكن المشكل هو في ضئالة الصحة الممنوحة لكل فرد والتي لا تتعدى 2كلغ من الأرز، ونصف لتر من الزيت..وهو ما لا يكفي لسد خلة أسرة من عشرة أفراد..لذا تطالب بزيادة الحصص التموينية وأن يشمل الدعم الحكومي كل المواد الأساسية بما فيها اللحوم والألبان..
وتقدر السلطات عدد دكاكين المواد التموينية المدعومة بأ زيد من 1700دكان على عموم التراب الوطني، يتم تموينها بحوالي 46 ألف طن من المواد الغذائية الأساسية وفق خطاب الوزير الأول أمام البرلمان نهاية يناير الماضي.
وعلى مستوى كيديماغه وحدها يقدر عدد الدكاكين بأزيد من 80دكانا.
التعاون في مواجهة الفقر
في أحياء الضواحي من سليبابي تزاول النسوة أعمالا شاقة من أجل الصرف على أسرهن، في ظل واقع معيشي صعب تفاقم أكثر بسبب تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
تنخرط الزهرة بنت العيد من الحي العسكري بسليبابي إلى جانب جاراتها في تعاونية زراعية نسوية، حيث يقمن باستصلاح بضعة أمتار لزراعة الفاصوليا والفول السوداني مما يحتم عليهن الخروج مبكرا من منازلهن حيث يعهدن برعاية الأطفال إلى الجدات أو الكبار من الأخوة، وتواجه التعاونيات- والقول للزهرة ظروفا صعبة- بسبب ضعف موسم الأمطار، وكثرة الآفات الزراعية،وبدائية الوسائل والفقر الذي لا يسمح للمزارعين حتى بتسوير مزارعهم، وحمايتها من صولات الحيوانات السائبة تعلق الزهرة.
وفي وسط المدينة يجوب عشرات الأطفال الشوارع بحثا عن يد تمتد إليهم بالإحسان، وذلك بعدما ضاقت وسائل أسرهم عن إعالتهم وتوفير القوت لهم، ظاهرة تعكس الجانب السلبي للأزمة المعيشية في المدن الكبرى لكنها في مدن النهر تأخذ طابعا آخر، عندما يحاول المجتمع أن يسوق الظاهرة كنوع من مساعدة طلاب العلم، وتشجيعهم على التفرغ لمهامهم النبيلة، لكن الواقع يكشف عن تحول هؤلاء الأطفال إلى وسيلة لتزويد عوائلهم بما يقيم أودهم، ويبقي حياتهم!!
حالة من الهرج والمرج قبل دقائق من فتح الدكان الذي ترابط النسوة أمامه، فيما يجد البائع ومساعدوه صعوبة في شق الطريق إلى لفتح الباب، لكن المنظر أصبح مألوفا في ظل تزايد الطلب على المواد التموينية المدعومة والذي تصاعد بعد موجات الغلاء التي أوصلت أسعار المواد الاستهلاكية إلى مستويات غير مسبوقة- كما يقول البائع.
مضاعفات وتداعيات
الغلاء الذي يضرب بأشرعته في مدن الداخل، من أبرز تأثيراته ارتفاع الطلب على الدكاكين المحدودة لبيع المواد التموينية بسعر مدعوم والتي تشرف عليها مفوضية الأمن الغذائي، فضلا عن تسارع وتيرة الهجرة من القرى والأرياف إلى المدن طلبا للعمل، وبحثا عن وضع معيشي أفضل، إلى جانب تداعيات أخرى كانتشار ظاهرة التسول، وعمالة الأطفال، فضلا عن ارتفاع معدلات سوء التغذية، والتسرب المدرسي، وزعزعة الثقة في برامج التدخل الحكومية كما يفتح الباب لوقوع السكان تحت تأثير الدعاية المغرضة للجماعات المتطرفة والمنظمات التنصيرية التي تنشط في منطقة الضفة.
وللتخفيف من طأة التردي المعيشي لابد من مواجهة أسبابه والتي من أبرزها في الداخل الموريتاني: الغزلة الخانقة لبعض القرى، وغياب الرقابة على تجارة المواد التموينية وخضوعها للمضاربات والاحتكارات، وهشاشة البنى التعليمية والصحية وضعف البرامج الحكومية الموجهة لمكافحة الفقر،والنظرة الانتهازية لبرامج ومشاريع الدعم غير الحكومي ،والتي فشلت حتى الآن في تحقيق أهدافها لأسباب تتعلق بجمود وتجحر العقليات وسطوة العادات والتقاليد البائدة التي تعيق الحراك الاجتماعي،وتدفع بتيار التغيير والتحديث إلى طريق مسدود.كما يرى أخصائيون اجتماعيون.
وتقدر مصادر إعلامية وجود نحو 600 ألف شخص يعانون الجوع في موريتانيا، فيما يصاب طفل من بين كل 5 أطفال بسوء التغذية.
وكان برنامج الغذاء العالمي قد كشف نهاية فبراير الماضي عن وجود 10.5 مليون شخص في منطقة الساحل التي تضم موريتانيا يعانون الجوع، موضحًا أن "1.1 مليون من بينهم يوجدون في مرحلة طوارئ حرجة.