تَطفو فوق بحر التَّنقيب عن الذَّهب تيرس وإينشيري.../ محمدسالم المجلسي

تَطفو فوق بحر التَّنقيب عن الذَّهب أسماءُ مواضعَ قديمة في تيرس وإينشيري...قبَّل الأسلاف يُمناها وطاب لهم سُكناها..وتتَّبعوا فيها مواقع القَطر ومواضع الانتجاع, فزبَروا في كلِّ صُقع منها من العلم والنَّدى والصبر والعزيمة سطورا وضيئة لا تزال تُقرأ على جبين التَّاريخ.
وقد ذكر العلَّامة محمد ولد الهادي في قصيدته الرائعة جملة من تلك المواضع ثم قال:
لا تمرَّنَّ إنَّ هذي لدورٌ..
شاهدَت في الزَّمان حُسنَ اللَّيالي

ضحِكت بابيضاضِ وَجهٍ صَبوحٍ..
شامخِ الأنفِ كابيضاضِ الهِلالِ

واستهلَّت هناك سُحبُ الليالي..
وسَقتنا زُلالَها مِن حلالِ

وسقت شِرعةَ المهيمن فيها..
لا تبالي بمن بها لا يُبالي...

ونجد ذكرَ بعض تلك المواضع في قول العالم الأديب أحمد بن محمد بن حبيب الله بن محمد بن محمد سالم حيث يقول:
ألا حيِّ رَبعا "بالدَّواسِ" قدَ اقفرَا..
وألمِمْ بربعٍ ساحةَ "الفجِّ" آخَرَا

وحَولَ "تِويليتٍ" رُبوعٌ فحيِّها..
وإن شئتَ فاتركْ خشيةً أن تَذكِّرا
.....
وأخرى لدى "الأغصان" لمَّا ذكرتُها..
"سما ليَ شوقٌ بعدما كان أقصَرَا"

ويحنُّ العلَّامة سيد محمَّد ولد دادَّاه إلى أشياخه هناك ويتذكَّر زمنه معهم عند "زوك" و "دُومس" فيقول في قصيدته الفائحة بعَرف الوفاء:

ألا ليتَ شعري والحوادث جمَّة ..
بأحيائهم لي بعدُ عَودة أو لَمَمْ

وهل لي إلى أوطانهم وديارِهم..
وهل راحة يُمنَى منَ احمدَ أستلِمْ !؟

واليومَ امَّحت تلك الآثار وأقفرت تلك الديار وتفرَّق أهلُها على حدِّ قول العلّامة ابد ولد حبيب الاجيجبي ذاكرا وفاة ثلاثة علماء من ذرية العلَّامة محمد ولد عبد الودود الحاجي فقال:
ثلاثةٌ مِن بني شَيخ الشُّيوخ قَضَوا..
بين المحرَّم والأُولَى من العيدِ

كانُوا "بتيرِسَ" أطوادا يُلاذُ بهم..
واليومَ قد قطنُوا فيها بتأبيد

قبر "بِدَوكَجَ" أو قبر "بدُومِسَ" أو..
قبر "بذات امتداد اللَّحد" ممدودِ...

يشمِّر الناس اليومَ من كلِّ النواحي ويتزوَّدون بكلِّ الوسائل المادية والمعنوية ويقصدون تلك المواضع مسرعين بحثا عن الذَّهب..وقد كان الأسلاف يتحمَّلون المشاقَّ في الوصولِ إليها طلبا لقلائدِ علمٍ أغلى عندهم من الذّهب الإبريز ومن كلِّ كَنز عزيز, يأتونها مسرعين على حدِّ قول العلَّامة الدَّدَو ولد محمد مولود حين شدَّ الرِّحال من بعيد إلى أشياخه حيث كانوا يتنقلون في تلك المواضع..فقال في قصيدة له:

أتيناكم على سُفُن الصّحاري ..
سِراعا راغبين من النَّواحي.

رحم الله السلف..وهدى الخلف وبارك فيهم.