"دعوا أفريقيا تستغل احتياطياتها من الغاز الطبيعي"، بهذه العبارة قلبت المبعوثة الخاصة السابقة للأمم المتحدة لتغير المناخ، الرئيسة السابقة لأيرلندا، ماري روبنسون، المشهد الطاقوي رأسًا على عقب، متحدية التحذيرات من بدء أي استثمارات جديدة في النفط والغاز.
وقالت روبنسون، خلال مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية، إن حاجة القارة الأفريقية إلى الطاقة تتعاظم لدرجة أنه سيتعين عليها استغلال الغاز على نطاق واسع، على عكس الدول المتقدمة التي يجب أن تكف عن استخدام الغاز في أسرع وقت ممكن للحد من الأزمة المناخية.
وأوضحت أن الدول الأفريقية ينبغي أن يكون بوسعها استغلال احتياطياتها الهائلة من الغاز الطبيعي، على الرغم من الحاجة الملحّة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
ومن المرجح أن تثير تصريحات روبنسون الجدل مع انطلاق المحادثات التحضيرية للأمم المتحدة لـ"كوب 27" في مدينة بون الألمانية منذ يوم الإثنين 6 يونيو/حزيران، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
فالبعض يؤيد فكرة أنه يمكن استغلال الغاز الطبيعي في أفريقيا حتى يوفر الاتحاد الأوروبي والدول المتقدمة بدائل خضراء، والبعض الآخر وصف اتجاه أفريقيا للغاز بـ"كارثة محتملة".
الغاز الطبيعي في أفريقيا
قالت روبنسون إن أفريقيا تحاول التعبير عن موقفها فيما يخص تلبية احتياجاتها من الطاقة على نحو عادل ومنصف، وهذا يعني استخدام الغاز بصفته انتقالًا عادلًا.
المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة لتغير المناخ، ماري روبنسون - الصورة من ويكيبيديا
وأشارت إلى أن 600 مليون شخص في أفريقيا محرومون من الكهرباء، و900 مليون شخص يعتمدون على مواقد الطهي العاملة بالكتلة الحيوية أو الوقود القذر، ومن ثَم يعد الغاز بديلًا مناسبًا وأقل تلويثًا.
وأوضحت روبنسون أنه ينبغي توفير مهلة محددة لإيجاد حل لمشكلة فقر الطاقة في أفريقيا، ومنحها قدرة أسرع على المضي قدمًا.
إلا أن البعض يتوقع من القادة الأفارقة طرح حجج مماثلة قبل انطلاق مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 27) في شرم الشيخ خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وستكون هذه المسألة أولوية ملحة في المؤتمر؛ إذ يُنظر إليها على أنها فرصة للدول الأفريقية للفت الانتباه العالمي إلى وضعها الهش أمام أزمة المناخ، وإمكاناتها الاقتصادية.
الغاز الطبيعي الأفريقي
مع ارتفاع أسعار الغاز، وسيطرة الشركات الأجنبية على أغلب الاحتياطيات المحتملة في أفريقيا، سيصعب بقاء الغاز الطبيعي في أفريقيا داخل القارة، عوضًا عن بيعه لمن يدفع أعلى سعر.
وفي هذا الشأن، قالت مديرة برنامج أفريقيا في مجموعة أويل تشينج إنترناشونال، ثولي ماكاما، إنه لا ينبغي الضغط على أفريقيا لاستغلال احتياطيات الوقود الأحفوري لخدمة المجتمع الدولي في مواجهة الحرب الروسية غير المبررة.
وتابعت: "أفريقيا ليست بحاجة إلى تطوير هذه الاحتياطيات لتلبية احتياجاتها من الطاقة، والاعتقاد بأن الوقود الأحفوري مفيد للتنمية فيه ضرب من الخرافة".
في المقابل، أعربت الدول الأفريقية عن عدم رضاها بأن الدول المتقدمة استغلت إمكاناتها من الغاز الطبيعي، وتبحث عن مصادر جديدة بسبب ارتفاع الأسعار وشح الإمدادات الناجم عن غزو روسيا لأوكرانيا.
والكثير من الدول الأفريقية تمتلك احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي، مثل نيجيريا وموزمبيق والسنغال، لكنها لم تُستغل بعد.
كما فتح وزير المالية المصري، محمد معيط، باب الجدل، خلال زيارته إلى العاصمة البريطانية لندن، الشهر الماضي، عندما قال إن الدول الغنية تظهر كما لو أنها تعاقب الدول النامية، وضرب مثالًا بالسنغال، التي على وشك تغيير اقتصادها بفضل اكتشافات الغاز الضخمة.
إلا أن هذه الاكتشافات ستشكل، في الوقت نفسه، قنبلة كربونية هائلة، ستتسبب في تجاوز الحد المستهدف في ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية.
وأوضح أن السنغال كانت تتطلع إلى هذا الاكتشاف لمساعدتها، لكن طرح تغير المناخ على الطاولة يعني وقف التمويل، ووصفه بأمر يبعث على القلق الشديد، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وسبق أن صرح الوزير بأن مساعدة الدول الفقيرة على خفض الانبعاثات ستصب في مصلحة الدول الغنية، قائلًا: "مخاطر تغير المناخ لا تؤثر في بلد واحد؛ بل فينا جميعًا".
الجدل حول التنقيب في أفريقيا
يمثل حث أفريقيا على التنقيب عن الغاز الطبيعي تغييرًا في موقف روبنسون؛ إذ انتقدت بشدة حكومة المملكة المتحدة؛ لتورطها في تمويل حقل غاز جديد في موزمبيق، العام الماضي، قبل مؤتمر كوب 26.
كما وصفت الإعفاءات الضريبية في المملكة المتحدة على مشروعات النفط والغاز في بحر الشمال بأنها "ضرب من الجنون".
عامل داخل منصة للتنقيب عن النفط في نيجيريا - الصورة من دويتشه فيله
وأقرت روبنسون بأنها كانت مترددة في تشجيع استثمارات الغاز الطبيعي الجديدة، لكن فقر الطاقة في أفريقيا يتفاقم، وبات التحول إلى الغاز ضروريًا.
وقالت: "يعتقد بعض الناس أن الفكرة خطيرة، لكن يمكن أن تستشف مدى حيرتي.. أنا ملتزمة بالعمل المناخي، ومقتنعة بمدى خطورته، لكنه ليس حلًا يناسب الجميع".
تأتي تصريحات روبنسون بعدما حذرت وكالة الطاقة الدولية من ضرورة وقف أي مشروع جديد للتنقيب عن النفط أو الغاز إذا أراد العالم الحد من درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية.
وكشفت صحيفة الغارديان عن قرابة 200 "قنبلة كربونية"، على حد قولها؛ جزء كبير منها في أفريقيا، عبارة عن خطط عملاقة لاستغلال حقول النفط والغاز الجديدة من شأنها أن تؤدي إلى إطلاق ما لا يقل عن مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مدار حياتها.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المشروعات ستؤدي إلى تجاوز 1.5 درجة مئوية أو 2 درجة مئوية.
وقالت روبنسون: "لو استثمرنا في الطاقة النظيفة لصالح الشركات الأفريقية على نطاق واسع؛ لكنا في وضع مختلف، لكننا لم نفعل ذلك، والآن علينا أن ندرك أن الدول الأفريقية تتحمل العبء الأكبر من أزمة المناخ".
وتابعت: "ما زالت أوروبا والولايات المتحدة تعتمدان بدرجة كبيرة على الوقود الأحفوري، وهذه الدول ليست في مكانة تخوّلها نصح الدول الأفريقية بالتخلي عن احتياطياتها".
ومع ذلك، يرى الناشط في منظمة "فريندز أوف ذي إيرث"، جيمس بيترز، أن استخراج الوقود الأحفوري لن يحقق الرخاء للأفارقة، بل سيؤدي إلى تفاقم الوضع.
وقال: "يجب علينا التحرك بسرعة لتطوير أنظمة الطاقة النظيفة في أفريقيا لتوفير أمن الطاقة، والوظائف، وستحتاج الدول الصناعية الغنية لتمويل ذلك بصفتها السبب الرئيس في الأزمة المناخية".
المصدر: الطاقة نت