عرفت السنغال، مشروع الدولة الناجح في غرب إفريقيا،والبلد الوحيد في المنطقة -مغ المغرب طبعا- الذي أنجاه الله من الانقلابات العسكرية، وشرورها المستطيرة، والمثال الفريد في الحكم الديمقراطي المدني، والتناوب السلمي على السلطة، بوادر أزمة سياسية مستفحلة، وقد تكون غير مسبوقة،
لفد كان يوم الجمعة الماضي واحدا من أكثر أيامها السياسية توترا، ودموية - منذ إيريل 1989، لما قتل الآلاف من الرعايا الموريتانيين ،ونهبت أموالهم، في بداية الأحداث والنزاع مع السينغال، وتم طرد و"تسفير" أكثر من 300 ألف مواطن موريتاني، كيوم ولدتهم أمهاتهم،مع فارق السن والتوقيت - حيث قتل ثلاثة أشخاص، وأصيب العشرات،حين استخدمت قوات الأمن السينغالية، الغاز المسيل للدموع ، والقنابل الصوتية، والرصاص الحي (حسب المعارضة السينغالية)، لقمع المظاهرات الاحتجاجية، بعد منع قبول قائمة ائتلاف المعارضة بقيادة الزعيم " المتهور" عثمان سونكو المقدمة، للانتخابات التشريعية، في دائرة العاصمة دكار الانتخابية.
خاصة مع وجود عدد من قادة المعارضة في الإقامة الجبرية ورهن الاعتقال؛ واستمرار أصل المشكلة، وشرارة الأزمة السياسية،المتمثلة في إسقاط ، ورفض قبول قائمة تحالف المعارضة للانتخابات التشريعية المزمعة نهاية شهر يوليو القادم .
ماذا بعد؟
هل سيؤدي " تهور" سونكو،"وقوميته" المتطرفة، وخطاباته الشعبوية،وأطماعه" التوسعية" في دول الجوار، في مقابل" نزوع" الرئيس السينغالي ماكي صال " الديكتاتورية"، وكونه ينتمي لأقلية" الهالبولار"، المتوزعة أشتاتا، بين دول عديدة في غرب إفريقيا، وربما رغبته الدفينة- حسب خصومه- لتغيير الدستور،والسعي لمأمورية ثالثة،هل سيؤدي كل ذلك بالسينغال،إلى مأزق وجودي، قد يتسبب في وأد تجربة السينغال الديمقراطية " الفريدة"، خاصة مع ازدياد الوعي السياسي، لدى شريحة الشباب في السينغال،و" ارتخاء" قبضة، الناخبين الكبار: الدولة العميقة: الطرق الصوفية،التي كانت مهيمنة بشكل كبير،على شرائح واسعة من الناخبين، وظهور حركات إسلامية مدنية، في أوساط الشباب.
تاريخ من الأزمات السياسية...... " العابرة"
ليست هذه هي موجة التوتر الأولى بين المعارضة السنغالية بقيادة عثمان سونكو ونظام الرئيس ماكي صال؛ والراجح أنها لن تكون الأخيرة في أفق استحقاقات برلمانية ممهدة، لانتخابات رئاسية حاسمة.
صحيح أنه حدثت غلطة قاتلة لتحالف المعارضة حين لم تحترم قائمته المرشحة عن العاصمة؛ مبدأ " الكوتا" المفروض قانونيا،القاضي بالمناصفة بين الرجال والنساء؛ فتم رفضها بقرارات أكد المجلس الدستوري شرعيتها، ومطابقتها للدستور والقانون السينغالي، وهو ما رفضته المعارضة بشدة، واعتبرت أن قرار المحكمة " السياسية": المجلس الدستوري، " كان قرار سياسيا منحازا للحكومة".
فيما اتهم سونكو الرئيس ماكي صال بتبييت النية،لتغيير الدستور، للتمكن من الترشح لمأمورية ثالثة؛ ولم تخل علاقة طرفي النظام السياسي المعارض والموالي، في السينغال، من محطات توتر باستمرار، ابتداء من أيام عبدو ديوف حين اعتقل وسجن مرات عديدة زعيم المعارضة،آنذاك عبد الله واد؛إلى أن حصل أول تناوب سلمي ديمقراطي على السلطة في السينغال عام 2000، بعد أن ضغط الرأي العام، والجيش، على عبدو ضيوف، لكي يعترف بالهزيمة، ويسلم السلطة للمرشح الفائز عبد الله واد، وصولا للحقبة "الوادية " التي عرفت مواجهات عديدة بين السلطة والمعارضة الذين اتهموه حينها بالسعي لتوريث السلطة لنجله كريم واد.، خاصة بعد ما بلغ من العمر عتيا، وشابت معه خصلتان،
ويعد الرئيس الحالي ماكي صال ذو الميول " الاستبدادية"،الأكثر شراسة في مواجهة معارضة حكمه، وبحبث سياسي، ودهاء يحسد عليه، فهو دائما يجد "مداخل " أو ذرائع قانونية، لاعتقال معارضيه، يبعد من خلالها، عن نفسه " تهمة الاعتقالات السياسية"، كما حصل مع كريم واد؛ وخليفة صال في ملفات فساد مالي، وكما حصل في ملف تهمة محاولة الاغتصاب بحق المعارض " المتهور" عثمان سونكو.
محيط الانقلابات العسكرية،والانتخابات المزورة، والتناوب السلمي على السلطة المؤود، منذ عقود
يقف مشروع الدولة الناجح " نسبيا" في السنغال، والذي حولها إلى واحدة من أقوى 20 اقتصادا في إفريقيا، بناتج داخلي خام يبلغ 28 مليار دولار، سنة 2021، جسب البنك الدولي، ( يبلغ الناتج الداخلي الخام لموريتانيا فقط 7 مليار دولار)، يقف السينغال وسط بحر من الانقلابات العسكرية، والحروةب الأهلية، والدول الفاشلة، والأزمات الاقتصادية الخانقة، والازمات السياسية المستفحلة، والانقسامات وانتشار العنف والتطرف.
ومما يزيد من احتمال وقوع هذا السيناريو المخيف لأكثر من طرف:
- تنامي الخطاب القومي " المتطرف" المعادي اموريتانيا ووحدتها الترابية، وكذلك أطماعه التوسعية ضد غينيا كوناكري،الذي يطرحه بقوة زعيم المعارضة السنغالية، " المتهور" عثمان سونكو، وهو من لأقلية " ديولا"، التي تشكل غالبية،سكان "كازمانص" المتمرد ة على التبعية للسينغال،هذا مع رغبة بعض الحركات في ذلك الإقليم،بالإنضمام إلى غينيا.
- وجود أنظمة عسكرية إنقلابية في دول غينيا كوناكري ومالي،تعارض بعض سياسات، وتدخلات ماكي صال، حيث يقود ماكي حاليًا الإتحاد الافريقي صاحب المواقف الصارمة من الانقلابات، وحيث السنغال عضو رئيس في منظمة "السيدياو" المنخرطة في حصار على المجلس العسكري بمالي؛ وفي مساطر عقابية ضد المجلسين العسكريين، في كل من غينيا كوناكري،وبوركينا فاسو،
إن السينغال يقف على مفترق طرق، فالرئيس السينغالي " التكروري" ماكي صال، له نوازع قومية لدعم بني جلدته " من الهالبولار" المشتتون زرافات ووحدانا في شتى دول الغرب الإفريقي،كما له ميول استبدادية "واضحة للعيان"،وزعيم المعارضة " المتهور " عثمان سونكو " المتهور"، الذي هدد مرارا، [ثناء الحملة الرآسية الماضية في السينغال ب" احتلال الجنوب الموريتاني باعتباره جزء لا يتجزأ من الأراضي لبسينغالية"، وتصريحات مماثلة مهددة لغينيا كوناكري حيث منابع نهر السينغال، ومصدر الحياة في شبه المنطقة.
هذا وكانت السنغال قدأرسلت الألوف من جيشها لتمكين الرئيس " التكروري" ءاداما بارو،سنة 2016، ضد غريمه اليكتاتوريحي جاما،وإرغامه على التسليم بالهزيمة، وتسليم السلطة لبارو، الذي أدى اليمين الدستورية على الأراضي السينغالية،وكان السينغال يتهم جامى بدعم متمردي اقليم كازمانص الخاصرة الرخوة في السنغال، حيث تخوض حركة القوات الديمقراضية لكازامانص "MFDC " حربا انقصالية، ضد القوات الحكومية السينغالية، منذ بداية الثمانينيات أملا في انفصال الاقليم، أدت إلى مقتل حوالي 5000 شخص حسب الصليب الأحمر الدولي،وشردت 100 ألف لاجئ سينغالي من الإقليم، نحو غامبيا، وغينيا بيساو، وساعد السينغال على الصمود في هذه الحرب،الدعم الفرنسي الامحدود ووجود القاعدة الفرنسية الاستراتيجية قرب العاصمة دكار.
رغم كل ذلك يخشى المراقبون على مصير السنغال بسبب الأحلام التوسعية والرمال الجيو سياسية المتحركة العابرة للحدود في شبه المنطقة، التي ظلت بلقع من قيام الدول سنين عددا.
اما مكي صال و سونكو فكلهم يريد شيئا والله يريد شيئا ،آخر فلربما تبخرت آمالهم واختلت حساباتهم، لأن الطموحات الخيالية تولد احباطات صادمة.