بدون شك فإن الرئيس عندما عجم كنانته أصاب حين اختار الوزير محمد ماء العيون أييه لحقيبة التعليم، فالرجل صادق مع نفسه، لكنه دخل في متاهات التعليم ولوبياته التي لا خاتمة لها.
دخل إلى هذا الواقع الآسن الذي مهدت له الحكومات الموريتانية، منذ نهاية الثمانينيات، حيث انتهجت نمطا من ليبرالية بعض الخدمات، خاصة في قطاعي الصحة والتعليم، فرخصت الحكومات المتعاقبة، منذ عقد التسعينيات، تباعا مئات المدارس الخاصة، لذوي الجنسية الموريتانية، ثم سمحت لبعض الأجانب خاصة من الكاميرون وتركيا، بفتح مدارس خاصة، تخضع "نظريا"، لوصاية إدارة التعليم الخاص، في وزارة التهذيب الوطني، كما سمحت الحكومات الموريتانية لبعض السفارات، بفتح مدارس خاصة بهم، لتدريس أبناء عائلات الدبلوماسيين، ثم سرعان ما أصبحت موضة عند، بعض الأسر البورجوازية الموريتانية، لتسجيل أبنائهم في تلك المدارس الأجنبية، مثل "الثانوية الفراسية"، والمدرسة الأمريكية، ومن قبل المدرسة العراقية.
قروض وتمويلات .... ذهبت مع الريح
ومع مطلع الألفية قدم البنك الدولي قروضا لتمويل المدارس الخاصة الموريتانية، حتى تتمكن من إيجاد مقرات مدرسية، وقاعات دراسية، تتوفر فيها المعايير التربوية المطلوبة، من أجل راحة الأطفال الدارسين، وتوفير جو دراسي مريح نفسيا ويراعي نفسيات وخصوصيات الأطفال، ومن شأن هذه المنشآت ان تساعد على التركيز والتحصيل العلمي.
لأن التكاثر العشوائي للمدارس الخاصة آنذاك، أدى إلى أن غالبية المدارس الخاصة، تؤجر منازل سكنية عادية، مكونة من عدة غرف، متفاوتة في المساحة، ويزيد الطين بلة، والوضع حرجا، إن كانت تلك المدارس في الأحياء، المعروفة بصغر قطعها الأرضية، حيث غالبية القطع الأرضية، لا تزيد مساحتها عن ال 120 مترا مربعا، وهكذا أصبحت أغلب مقرات المدارس الخاصة، لا تتوفر فيها أدنى المعايير "البيداغوجية الضرورية، فصار لا غرابة أن تجد فصلا دراسيا، به عشرات الأطفال التلاميذ، محصورون " حصرا"، في غرفة الحمام أو المطابخ ،أو المرآب سابقا، أوتحت السلم، أو في عريش فوق السطوح!!!
الحكومة ونية احتكار أفشلها تردي المدارس الحكومية
وفي سنة 2015 شنت الحكومة حملة إعلامية ضد المدارس الخاصة، وسط خطاب أهوج يحاول أن يحمل المدارس الخاصة، مسؤولية تردي خدمات التعليم، في المدارس الحكومية، وهددت الحكومة، باحتكار السنة الأولى والثانية، من المرحلة الابتدائية، على التعليم الحكومي، وتحريمها على المدارس الخاصة.
لكن المدارس الخاصة، واصلت النمو والانتشار الأفقي، في العاصمة نواكشوط، أو" مدينة موريتانيا"، وكذلك في ولايات الداخل، وسط نمو ديموغرافي كبير، رافقه تردي كبير، "وسقوط حر" للتعليم الحكومي، مما ولد شعورا متزايدا، لدى غالبية الأسر الموريتانية، أن تسجيل الأبناء في المدارس الحكومية، فيما عدا، "مدارس الأمتياز".
مدارس الامتيازمشروع تعليمي مبدع،عرقلته الحكومة 2002
-- والتي كانت في الأصل فكرة لعالم الرياصيات الموريتاني الدولي المرحوم يحي ول المختار حامدن، قدمها سنة 2002، ورفضت الحكومة الترخيص له بإقامتها، ثم غيرت الحكومة المخطط الاستراتيجي، لمدارس "الإمتياز" أو "الأكسلانص"، واحتفطت بمجرد الاسم، مع نقص المختبرات، والورش ،وقاعات التدريب، ومعامل اللغات - يكاد يكون مضيعة للوقت والجهد، فأغلب تلاميذ المدارس الحكومية اليوم، "لا كعبا بلغت ولا كلابا"، ويتضح ذلك جليا من نتائج البكالوريا، أهم مسابقة وطنية، كما أن كثيرا من المدارس الحكومية، أصبحت بيئة غير آمنة على الأطفال الذكور، بله البنات، بسبب انتشار عصابات أطفال التسكع، المعروفين ب:"جنكات".
احتكار التراخيص، مع الحاجة الماسة، بسبب الاقبال والنمو الديموغرافي المتسارع
منذ سنوات أصبح الحصول على على تصاريح المدارس الخاصة ،صعب المنال، ودونه قطع مفازة مقفرة، فالتصاريح بات الحصول عليها، أصعب من بيض الأنوق، وسط مضاربات، وأسعار خيالية، جعلت "تيفايت الرخص"، يبيعونها ببضعة ملايين، والحبل على الغارب، في تصرف لايخلو من الغرابة من وزارة التهذيب الوطني، حين أوقفت، منذ ثلاث سنوات، إصدار تصاريح جديدة، للمرحلة الابتدائية، لافتتاج مدارس خاصة جديدة، مما جعل أحياء كثيرة في نواكشوط، تعاني من قلة المدارس الخاصة، وزحمة الفصول في المدارس القائمة
"نحن ماشنن انذوب"
المريب حقا هو توقيف التصاريح للمرحلة الابتدائية، فالدولة متباطئة في انجاز وصيانة البنية التحية المدرسية.
وعدد المدارس الموجودة في تفرغ زينة( 11 مدرسة ابتدائية) يدحض دعاوي الوزارة، بانتفاء الحاجة للترخيص لمدارس خاصة جديدة، ويؤكد أن الوزارة ليست مؤهلة لتأميم التعليم الأساسي، وجعله حكرا على المدارس الحكومية المترهلة.
فهذه المدارس تذب عنها سمعتها في الفشل حيث تمر السنة على بعضها دون أن يصدر ناجحا للمرحلة الإعدادية.
أما الصيانة فمتعثرة ويكفي ما ذكره عمدة لكصر عن مدرسة المرابطون بمقاطعة لكصر، القريبة من المعهد العالي والتي باتت حسب العمدة باتت مأوى لمتعاطي المخدرات.
لقد باتت هذه المدرسة أطلالا خربة ومستقرا للقمامة والحيوانات السائبة.
وللعلم فعدد المدارس الابتدائية في مقاطعة لكصر في حدود 7 مدارس.
تقدر أعداد التلاميذ في موريتانيا بمليون طالب وطالبة، ومن الطبيعي أن هذا العدد يتزايد عاما بعد آخر لأكثر من سبب، خاصة أننا في مجتمع فتي 75% منه، تحت ال 25 سنة.
والمدارس الحكومية قليلة العدد ضعيفة العدة عاجزة عن مواكبة التطور الحاصل في الطلب على التعليم فلا يعقل تعطيل صيرورة المجتمع بسب قصور الرؤية و ضعف الانجازوالتنفيذ.
لقد أخطأت الوزارة في التقدير عندما قررت احتكار المرحلة الابتدائية وأوقعت تفعيل التراخيص القديمة أو الترخيص من جديد للمراحل الابتدائية وضيقت واسعا.