تابعتُ كغيري من المهتمين بالشأن العام المؤتمر الاستثنائي لما كان يعرف سابقا بحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، حزب الإنصاف لاحقا، وهو المؤتمر الذي تم تنظيمه اليوم ( 3 يوليو 2022)، والذي كان من نتائجه تغيير اسم وشعار ورئيس الحزب، فهل ستكون هذه التغييرات بداية لتغييرات أعمق في الرؤية والنهج والرجال، أم أن الأمر لن يختلف عما سبقه من تغييرات شكلية في الأحزاب الحاكمة؟
إن التجارب السابقة في تغييرات الأحزاب الحاكمة لا تبشر بخير، والعودة إلى تلك التجارب لن تمنحنا وبكل تأكيد جرعة تفاؤل، ولأن العودة إلى الماضي لن تمنحنا جرعة تفاؤل، فإننا سنكتفي بتقديم قراءة سريعة لما جرى اليوم من تغييرات، وما تضمنه خطاب الرئيس الجديد للحزب، سنكتفي بذلك في محاولة للإجابة على السؤال العنوان.
إن القراءة التحليلية لما حدث اليوم من تغييرات، تقول بأن حصر مرجعية الحزب في شخص الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد تأكد اليوم، وبشكل واضح لا لبس فيه، وذلك من خلال التغييرات التي تم اتخاذها على مستوى التسمية والشعار ورئاسة الحزب.
1 ـ تغيير الاسم : لقد أُخِذَتْ التسمية الجديدة للحزب من كلمة كانت حاضرة وبوضوح، نصا ومضمونا، فيما مضى من مأمورية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. إن لكل نظام قاموسه السياسي، ولعل من بين الكلمات الأكثر تداولا في هذا العهد: التآزر؛ الإنصاف؛ التهدئة..إلخ
2 ـ الشعار : وقد استنسخ استنساخا كاملا، وبكل التفاصيل، من شعار حملة المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني في رئاسيات 2019؛
3 ـ اختيار الرئيس: لقد تم اختيار رئيس للحزب لا يمكن تصنيفه على أنه من رجالات أي نظام سابق، فلم يحدث أن تم تداول اسم الرئيس الجديد للحزب في العهود السابقة لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الإداري، ولذا فهو أحد الرجال القلائل الذين يمكن القول ـ ودون تحفظ ـ أنهم ظهروا إداريا وسياسيا مع الرئيس محمد ولد الشيخ ولد الغزواني.
إن هذه التغييرات في التسمية والشعار ورئاسة الحزب أكدت وبشكل جلي أن مرجعية الحزب تنحصر في شخص الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لا خلاف على ذلك، ولكن هل تكفي تلك التغييرات لوحدها للقول بأننا أمام واجهة سياسية جديدة لعهد جديد؟
إن هذه التغييرات لا تكفي لوحدها، حتى وإن كانت لها دلالتها، وهي لن تكون ذات جدوى إن لم تعقبها تغييرات عميقة في رؤية الحزب ونهجه ورجالاته وواجهته.
إن أهم التغييرات التي ستقنع الرأي العام أنه أمام حزب جديد يختلف عن سلفه قد تضمنها خطاب الرئيس الجديد، ولكن ـ وكما هو معلوم ـ فإن الخطابات لا تكفي لإقناع الرأي العام بأن هناك جديدا ما في الأفق. إن ما سيقنع الرأي العام هو القرارات والأفعال التي ستجسد ميدانيا تلك الخطابات، فهل سينفذ الرئيس الجديد للحزب ما تعهد به في خطابه اليوم، وخاصة تعهداته المتعلقة ب:
ـ إحداث تغييرات تلبي طموحات جماهير الحزب، وهي تغييرات كانت هناك فرصة للقيام بها، وتسمح بها قوانين الحزب، ولكن الحاجة إلى المزيد من الاطلاع على وضعية الحزب والاستماع إلى منتسبيه تطلبت تأجيل تلك التغييرات قليلا حسب ما يُفهم من الخطاب؛
ـ إعادة النظر في رؤية الحزب؛
ـ إعادة النظر في تنظيمه؛
ـ إعادة النظر في أدائه؛
ـ الاستماع إلى الشباب والنساء وأهل الريف والفئات الهشة.
إن تمكن الرئيس الجديد للحزب من تنفيذ هذه التعهدات فسنكون بالفعل أمام حزب حاكم جديد. أما إن اكتفى بخطابه الجيد كما اكتفى أسلافه في الأحزاب الحاكمة بخطاباتهم الجيدة، فهذا سيعني أن حزب الإنصاف لن يكون إلا مجرد نسخة غير منقحة من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وهو الذي لم يكن بدوره إلا مجرد نسخة غير منقحة من حزب عادل، والذي لم يكن هو كذلك إلا نسخة غير منقحة من الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي، والذي لم يكن هو الآخر إلا نسخة غير منقحة من هياكل تهذيب الجماهير، والتي لم تكن هي بدورها إلا نسخة غير منقحة من حزب الشعب.
لقد كانت تجربة الرئيس الجديد للحزب كناطق باسم الحكومة تُحسب له، كما يحسب له حضوره الجيد في مواقع التواصل الاجتماعي (فضاء الشباب)، و يحسب له كذلك أنه من القلائل الذين يجيدون حسن الاستماع، هذا هو ما خرجتُ به من انطباعات بعد لقاء مطول معه في إطار جلسات التشاور الوطني لإصلاح التعليم، كل ذلك يحسب له، ولكن كل ذلك لا يكفي إن لم تصاحبه قرارات شجاعة وإرادة قوية لتجسيد ما تعهد به اليوم في أول خطاب له بعد اختياره رئيسا لحزب الإنصاف.
فهل سيتمكن الرئيس الجديد لحزب الإنصاف من تجسيد خطابه اليوم على أرض الواقع؟
الأسابيع والأشهر القادمة لن تبخل علينا بالإجابة على هذا السؤال.