قصتي مع التصحيح
لم اسع ابدا في البحث عن تصحيح الامتحانات الوطنية ولم يكن لدي _ وخاصة في بداية مشواري المهني _ اي معرفة باهل الوزارة وكنت اول من تخرج من المدرسة العليا للتعليم بصفته استاذا من مجموعتي ذات الطبيعة التقليدية المحافظة البعيدة عن الوظيفة العمومية في تلك الفترة ( الحمد لله تغيرت العقلية ) وإن أقرب وزير إلي نسبا يومها وزير النفط العراقي السابق عصام عبد الرحيم الجلبي الذي كان وقتها قد أقيل من الوزارة قبل أن اتوظف بخمس سنوات ولم اعلم بالقرابة بيننا إلا منذ اسبوعين وبالتأكيد هو لا يعلم حتى الان بوجودي.
المهم انني في ثاني سنوات مشواري المهني استدعيت لتصحيح الباكلوريا وذلك سنة 97 وهو ما فاجأني خاصة اني لم أكن يومها ادرس ايا من اقسامها ولكن يبدو ان السبب هو ان الوزارة استدعت جميع أساتذة السلك الثاني في تلك المؤسسة حتى ولو لم يكونوا يدرسون الباكلوريا فكنت ممن ( طفگتو ثنية الرشا) وفعلا مارست التصحيح وحاولت أن أكون متأنيا وكان من نعمة الله علي ان كان التصحيح لمادة ثانوية ثم لم يتم استدعائي العام الموالي بعد ذلك اصبحت ابتداء من 99 ادرس اقسام الباكلوريا فحينها صارت الوزارة تستدعيني كل سنة للتصحيح وكنت في المرات الأولى اصحح الأقسام العلمية والرياضية تارة التربية الإسلامية وتارة العربية وكلا منهما كنت امارس تدريسها حتى كان عام 2005 تم استدعائي لتصحيح اللغة العربية لشعبة الآداب العصرية العربية بعد ان اصبحت ادرس المادة لاقسام الباكلوريا الأدبية وهو ما استمر حتى تحويلي من المؤسسة عام 2007 .وفي كل مرة يأتيني استدعاء التصحيح دون ان اسعى إليه رغم ان بعض الزملاء _ حسب ما بلغني _ يبذل جهودا مضنية للحصول على هذه الميزة وخاصة بعد ان صدرت تعليمات ان لا يصحح الباكلوريا إلا أستاذ ميداني من مدرسي اقسام الباكلوريا.
لا استطيع ان اقوم تصحيحي للباكلوريا فالمرء محجوب عن نفسه غير ان بعض زملائي كان يتهمني بطول الاخبار وكنت اذا لوحظ علي شيء من ذلك اقول: لا يمكن ان اقوم ورقة الا بعد ان اقراها حرفا حرفا وكنت اطيل المكث اكثر في تصحيح الإجابة التي اختار صاحبها المقالة يوم كان التخيير بين نص ومقالة وكان توزيع النقطة الواحدة يكلفني جهدا في ورقة تسويد التقويم كما كنت اطيل النظر في اصحاب الخط السيء الى حد استغراق ساعة أو اكثر في الورقة الواحدة فما دمت لم استطع فك الرموز الهيروغليفية لبعض التلاميذ فلن أتجاوز تلك الإجابة.
ثم حولت من مؤسستي التي مكثت فيها 11 سنة صححت في ظلها الباكلوريا تسع مرات الى مؤسسة اخرى ووجدت فيها امامي استاذا مجربا يدرس اقسام الباكلوريا (وكفى الله المؤمنين القتال) فلم يعد اسمي يظهر في قائمة المصححين لمدة سنتين وهو أمر لم اشعر بالاستياء منه فما دمت لا ادرس أهل الباكلوريا فالامر عادي بعد ذلك اسندت الي اقسام الباكلوريا في هذه المؤسسة لمدة أربع سنوات في السنة الأولى استدعيت للتصحيح ( وهي المرة الوحيدة خارج المؤسسة السابقة) وفي الثانية كان لدينا قسم باكلوريا
علمي ولم يكن لدينا اي قسم ادبي لم يتم استدعائي للتصحيح .في السنة الثالثة لم يتم استدعائي رغم اني ادرس الأقسام الأدبية فسرت ذلك بأنه ياتي عقابا على المشاركة في إضراب مطول خاضته بعض نقابات الأساتذة وتم استدعاء زميل لي في المؤسسة نفسها لم يسبق له ان قدم طيلة مشواره المهني حصة واحدة لقسم فوق 3 اعدادي ولكن له يدا طويلة في الوزارة على ما يقال ودائما يصرح بأنه سيستدعى للتصحيح في الشعبة الأدبية رغم انه لا يخفي عدم معرفته ببرنامج الباكلوريا لهذه الشعبة . في السنة الموالية رفضت تدريس الباكلوريا قائلا يجب إسناد تدريسها الى من تستدعيه الوزارة وتثق فيه لكن المعني رفض ومورست علي ضغوط فقبلت تدريس تلك الاقسام ورغم ان السنة لم يحدث فيها اضراب فقد تم اقصائي من التصحيح وحدي من بين أساتذة الباكلوريا في المؤسسة وكان زميلي هو الوحيد الذي استدعى إليها من غير مدرسي الباكلوريا ولم يكتم هو الذي جرى لقد تحرك على مستواه فاسند له التصحيح ولم اتحرك انا. لكن بما ان في العملية ظلما تحركت لرفع الظلم لكن لا يوجد قانون ينظم العملية فهي خاضعة للسلطة التقديرية وكون مدرس الباكلوريا احق من غيره وإن الوزير فلانا والوزير فلانة امرت ان لا يصحح الباكلوريا إلا مدرس الباكلوريا هذا لا يرقى إلى درجة قانون ملزم وعرض علي بعض المسؤولين في إدارة الامتحانات المشاركة في التصحيح كشخص ملحق بالقائمة لكني لم اقبل الا أن يتم الاعتراف بالخطا ويصدر لي استدعاء رسمي وهو ما لم يكن بمقدور المسؤول القيام به وقد كتبت عن الموضوع حينها مقالا في احد المواقع لاقى صدى واسعا وتزامن مع مشكلات حدثت في التصحيح تلك السنة ناتجة عن إقصاء عدد من مدرسي الباكلوريا من التصحيح والاتيان باشخاص لا صلة لهم بتدريس الباكلوريا فكثر اللغط وادى ذلك إلى عزل من كان سببا في تلك الفوضى . ومع الافتتاح الدراسي رفضت تدريس الباكلوريا واخترت التحويل الى احدى الاعداديات لكن ما جرى السنة الماضية من لغط أدى إلى تحسن التصحيح في السنة الجديدة ونبئت ان صاحبي تم اقصاؤه من التصحيح أما أنا فلم اعد الى التصحيح وهو أمر طبيعي هذه المرة فقد اصبحت مدير دروس ولا اريد ان احصل على امر لا استحقه رغم اني لم أغب عن البرنامج تماما من خلال تدريس العربية للمجموعات من المترشحين للباكلوريا لكن خارج إطار المدرسة النظامية
لا شك ان مأساة السالمة وامثالها ومثيلاتها هي نتاج ادخال عناصر لا صلة لها من قريب ولا بعيد بتدريس اقسام الباكلوريا وطبيعي في هذه الحالة أن يقع ظلم كثير للتلاميذ لهذا على السلطات ان تختار للتصحيح الأساتذة الميدانيين الذين يدرسون اقسام الباكلوريا ويتم التأكد من ذلك عبر تقارير بعثات التفتيش التربوي اخر السنة فهي التي تحدد ان فلانا يدرس القسم كذا المادة الفلانية.