صرفت أوربا على الغاز والنفط في الأشهر ال6 الماضية مبلغا اجماليا قدره 93 مليار يور، أي مايساوي في حينه 110 مليار دولار.
في حينها كان التعامل مع روسيا عن طريق اليورو وبتلبيتها للأمر الأمريكي بالتخلي عن مصادر الطاقة الروسية، اتجهت أوربا إلى دول الخليج، ومن المعلوم أن دول الخليج تربط عملتها بالدولار الأمريكي، ومن هنا أصبحت أوربا مطالبة بتسديد فاتورة النفط والغاز بالدولار الأمريكي، وهذا يعني بيع ال93 ملياريور، والحصول على مقابلها من الدولار، مماتسبب في ارتفاع الطلب على الدولار وزيادة المعروض من اليور في السوق النقدية عن الحاجة، مما خفض من قيمته،
وفي حين تحتاج المصانع الأوربية إلى الغاز والنفط من خارج الحدود خلافا لدول الانجلو سكسونية التي تنعم برخاء نسبي في مجال الطاقة، فالقارة العجوز ضحية لتقلبات سعر الطاقة وتبدل مصادرها، وانتقالها بفعل الأزمة الروسية الأوكرانية في جميع الاتجاهات، ضف على ذلك أزمة الغذاء المستفحلة،بسبب تعطل سلاسل التوريد للحبوب من روسيا وأوكرانيا اللتين تنتجان ما يعادل 30% من الانتاج العالمي للحبوب، ومناورات العملاق الصيني الصاعد، ثاني الاقتصاديات الكبرى.
وبهذا لم يعد اليورو ملاذا آمنا للادخار، ولن يكون الدولاربأحسن حالا منه رغم الطفرة الحالية.
وتتضر من أزمة اليورو الحالية بشكل رئيسي دول الاتحاد الأوربي ومجموعة الافرنك الغرب افريقي لأن عملتها مضمونة من البنك المركزي الفرنسي الذي هو جزء من البنك المركزي الأوربي.
وكل الدول والكيانات المرتبطة تجاريا ونقديا بأوربا.
إن الدعوة لرفع سعر الفائدة في أوربا،- رغم أنها لم ترفع طيلة ال11 عاما الماضية- هي نفسها الدليل الأقوى على أن دول الاتحاد الأوربي في أزمة اقتصادية حقيقية تتفاقم بشكل مستمر، ويرى بعض الخبراء أنها أسوء بكثير من أزمة الكساد الكبير في ثلاثينيا القرن المنصرم.
فهل هي بداية النهاية لدول الاتحاد الأوربي التي تعاني في الأصل من أزمات متعددة مثل الشيخوخة السكانية وتنقاص أعداد المواليد، وانحسار الفئة الشابة بفعل السياسات الغبية وانهيار الأسرة وكل القيم الجامعة، مع ارتفاع الديون والتضخم، المحلي والعابر للقارات.
وهل تبقى القارة العجوز بمنأى عن الاضطرابات والقلاقل السياسية المرتبطة بالوضع الاقتصادي المتأزم وما ينتج عنه من ندرة الغذاء، هذه الاضطرابات العابر للقارات شهدتها في الأسبوع الحالي دول مثل، سيرلنكا، الآرجنتين، لاكوادور، كينيا، البانيا، غانا.. وهزاتها الارتدادية.
وهل تتحول ظاهرة السترات الصفراء في فرنسا إلى تمرد اجتماعي عاصف ضد السياسات اللبرالية المتوحشة، التي تزيد الأثرياء ثراء والفقراء بؤسا.
إن على البنك المركزي الموريتاني أخذ الحيطة والحذر وهو يدير الاحتياط النقدي من العملات الرئيسية والذهب، ومسؤول عن أموال المودعين في البنوك التجارية، أن يبتعد ‘عن هذه العملات وبدلا من ذلك يعزز احتياطاته من الذهب والفضة والمعادن النفيسة، وأن يلزم بذلك شركة سنيم التي تندمج بشكل مؤسف في الاقتصاد الأوربي.
العناية بالصندوق السيادي المعروف بصندوق الأجيال القادمة حتى لاتعصف به أزمات العملات الورقية التي أوجدها واقع معين، وتعصف بها وبقيمها أزمات أكبر.
فالذهب سيد القيم والقيمة بلامنازع وهو وحده الأمان من فصيلة العملات، وإلا فمكان النقود هو توظيفها في خدمة التنمية.