أين حراك "ماني شاري كزوال"؟/ محمد الأمين ولد الفاضل

شكل تداول صورة لي وأنا أرتدي "دراعتي تحتج" في أول ظهور لها  مساء السبت الموافق  26 مارس 2016 واحدة من أبرز ردود أفعال نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات السائلة، وتذكر كثيرون من رواد هذا الفضاء حراك "ماني شاري كزوال"، وسارع البعض إلى أن يوجه إلى شخصي الضعيف أسئلة خاصة من قبيل : أين دراعتك هل سترتديها الآن؟ أين حراك "ماني شاري كزوال"؟ هل ستشتري "كزوال" أم لا؟ أليس هذا هو الوقت الأنسب لإطلاق نسخة جديدة من حراك "ماني شاري كزوال"؟

أكثر الذين طرحوا أسئلة من هذا القبيل لا يستحقون أن يرد عليهم، لأنهم ـ وببساطة شديدة ـ غير معنيين أصلا بحراك "ماني شاري كزوال"، فهم لم يشاركوا فيه ـ ولا بمنشور واحد ـ عندما تم إطلاقه ذات مساء أربعاء صادف يوم 20 يناير2016، بل إن بعض هؤلاء وقف ضد الحراك وسخر منه وبذل جهدا كبيرا لإفشاله. 

لا يستحق أولئك أي أرد، ولكن هناك طائفة من النشطاء والمناضلين الصادقين الذين بذلوا جهدا كبيرا في إنجاح هذا الحراك يستحقون مني ردا.

هل من مقارنة بين العامين 2016 و2022؟

1 ـ في العام 2016 ربحت الحكومة الموريتانية ما يقارب 230 مليار أوقية قديمة نتيجة  للفارق الكبير بين أسعار المحروقات عالميا، وأسعارها محليا. كان آخر عهد للحكومة في دعم أسعار المحروقات العام 2008، وإلى حد ما العام 2009 بعد ذلك بدأت تحقق أرباحا كبيرة خلال العشرية تقدر بمئات المليارات من الأوقية القديمة، وذلك نتيجة للانخفاض الكبير في أسعار النفط عالميا. أما في العام 2022 فإن الحكومة الموريتانية، وحتى من بعد زيادة الجمعة (15 يوليو 2022) فإنها ما تزال تدعم أسعار المحروقات بمئات المليارات من الأوقية، وفي ميزانية 2022 المعدلة فقد تم رصد 138 مليار أوقية قديمة لمواجهة زيادة أسعار الطاقة.

2 ـ في العام 2016 خفضت كل الدول المجاورة أسعار المحروقات بنسب كبيرة جدا، ولكن الحكومة الموريتانية أصرت على عدم تخفيض أسعار المحروقات، ومواصلة جني مئات المليارات من الأوقية القديمة من جيوب المواطنين من خلال فارق السعر العالمي والمحلي. أما في العام 2022 فقد رفعت بعض الدول المجاورة أسعار المحروقات وبنسب كبيرة، وذلك من قبل أن تلتحق بها موريتانيا، ففي المغرب مثلا ارتفع سعر لتر المازوت في النصف الأول من العام 2022 ب 6.39 درهم (ما يعادل 230 أوقية قديمة) ، أي بزيادة تقدر ب 38.68%، وسعر لتر المازوت الآن في المغرب = 16.52 درهم ( 594 أوقية قديمة)، وفي مالي فقد زاد في نفس الفترة ب 216 فرنك إفريقي (120 أوقية قديمة)، أي بنسبة 26.70% . وسعره الآن  809 فرنك إفريقي (453 أوقية قديمة)، أما في السنغال فسعر لتر المازوت يساوي 655 فرنك إفريقي ( 366.8 أوقية قديمة).

خلاصة القول في هذه الفقرة هي أن الحكومة الموريتانية كانت في الفترة التي انطلق فيها حراك "ماني شاري كزوال" تربح من كل لتر 236 أوقية قديمة تقريبا، وتربح سنويا من فارق أسعار المحروقات ما يقارب 230 مليار أوقية قديمة، أما في العام 2022 وبعد الزيادة الأخيرة، فإن الحكومة الموريتانية ما تزال تخسر عند بيع كل لتر من المازوت 290 أوقية قديمة، وقد رصدت في ميزانيتها 138 مليار أوقية قديمة لدعم المحروقات. كما أن الفترة التي انطلق فيها حراك "ماني شاري كزوال" شهدت تخفيضات هامة في أسعار المحروقات في كل دول المنطقة باستثناء موريتانيا، أما في العام 2022 فإن زيادة أسعار المحروقات تبقى هي القاسم المشترك لدى أغلب دول المنطقة، وخارج دول المنطقة.

هذا هو السياق العام المتعلق  بملف أسعار المحروقات  في العامين 2016 و 2022، ومع ذلك فهذا ليس هو الرد على السؤال : أين دراعتي تحتج، وهل سترتديها الآن؟

أين دراعتي تحتج، وهل سترتديها الآن؟

قبل الإجابة على هذا السؤال، فإنه من المهم أن أقول إن تجربتي في حراك "ماني شاري كزوال" تشرفني وترفع رأسي، وإني أشعر بالفخر بما قدمتُ في هذا الحراك الذي امتاز عن غيره من الحراكات الاحتجاجية التي شهدتها العشرية بأنه كان :

ـ الحراك الأطول نفسا؛

ـ الحراك الأكثر تمددا داخل الولايات والمدن؛

ـ الحراك الأكثر قدرة على ابتداع أساليب احتجاجية جديدة، ومن تلك الأساليب "دراعتي تحتج"، والتي أخرجت الحراك من الرتابة الاحتجاجية التي كان يعيشها في تلك الفترة، وذلك على الرغم من أن بعض الناشطين في الحراك وقفوا ضدها بقوة. هذه الفكرة التي كانت تدخل في مسار احتجاجي إبداعي لم يكتمل للأسف، والتي تم التشويش عليها بقوة من داخل الحراك، يكفيها نجاحا أنه تم تقليدها خارج حدودنا، وأنها هي أول ما يتم تذكره عند أي حديث عن  حراك "ماني شاري كزوال".

لقد بذلت جهدا كبيرا في هذا الحراك لا أجد ضرورة  للحديث عنه الآن، ولكني في لحظة ما، وعندما تأكد لي أن الحراك بدأ يدخل في مسار مسدود انسحبتُ منه بهدوء، ودون أن أعلن ذلك، خوفا من أي تشويش على الحراك، تاركا الفرصة لبعض نشطائه لمواصلة المسار، وبالفعل فقد تم تنظيم عدة وقفات احتجاجية لم أشارك فيها، وذلك من قبل أن يتوقف الحراك بشكل نهائي.

خلاصة القول في هذه الفقرة هي أني انسحبتُ من حراك "ماني شاري كزوال" وهو ما زال موجودا ينظم وقفاته الأسبوعية، وكان ذلك في عهد الرئيس السابق، وليس في عهد الرئيس الحالي.

أيهما أكثر تأثيرا وفائدة : الحراكات الاحتجاجية أم الحملات التوعوية؟

لقد شغلني هذا السؤال كثيرا في السنوات الأخيرة من العشرية، وكان السبب في ذلك هو أن مشاركتي في الأنشطة الاحتجاجية لحراك "ماني شاري كزوال" تصادفت مع مشاركتي في أنشطة حملة "معا للحد من حوادث السير" التوعوية، والتي لم تنظم منذ تأسيسها وحتى الآن، أي وقفة احتجاجية.

بعد عملية قياس للنتائج، ولا أهمية لنشاط لا يمكن قياس نتائجه، وجدت أن ما حققته حملة "معا للحد من حوادث السير" على الأرض كان أفضل بكثير مما حققه حراك "ماني شاري كزوال" رغم الفارق الكبير بين الجهد المبذول في الحراك والجهد المبذول في الحملة.

هذا الاستنتاج الميداني جعلني أقرر أن أركز أكثر على الحملات التوعية، وأن أخصص لها جل ـ إن لم أقل كل ـ وقتي وجهدي.

ونتيجة لذلك فقد خططت للمشاركة في أربع أو خمس حملات توعوية كبرى:

1 ـ حملة معا للحد من حوادث السير التي انطلقت في شهر أغسطس من العام 2016، وما تزال مستمرة، ونرجو لها أن تتدخل في الفترة القادمة في مجالات بكر ذات أثر مباشر على السلامة الطرقية، ولم يتم التدخل فيها من قبل؛

2 ـ حملة معا لمحاربة الفساد، والتي انطلقت أنشطتها في شهر يوليو 2020، ويتم التخطيط لإعادة إطلاقها في الفترة القادمة بشكل أوسع وأكثر فعالية؛

3 ـ حملة معا لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني، والتي تعرف رسميا ب"الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية". وقد انطلقت رسميا في منتصف شهر سبتمبر 2021.

لقد أخذت هذه الحملة الأخيرة جل الجهد والوقت خلال هذه السنة، وكان ذلك على حساب حملة معا لمحاربة الفساد، وسبب ذلك واضح وجلي، وهو أنه أمامنا اليوم فرصة كبيرة للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية من خلال مسار التشاور الوطني حول التعليم. ونحن إن ضيعنا هذه الفرصة في الخروج من هيمنة اللغة الفرنسية في التعليم والإدارة، وهي اللغة التي تتراجع عالميا بشكل لافت، فسيعني ذلك أنه لن تتاح لنا فرصة أخرى إلا من بعد عقد أو عقدين من الزمن، فعمليات إصلاح التعليم لا يمكن مراجعتها كل سنة أو سنتين، فهي تحتاج على الأقل لأكثر من عقد من الزمن للقيام بإصلاح جديد، على العكس من الملفات الأخرى كالفساد أو ارتفاع الأسعار أو غير ذلك من الملفات التي إذا لم تنشغل بها اليوم، فستبقى أمامك  فرصة للانشغال بها غدا أو بعد غد.

أقول هذا الكلام  للرد على بعض قصيري النظر، والذين يقولون إن ترتيب الأولويات كان يقتضي الاهتمام أولا بالأسعار أو الفساد ، وترك قضية تفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني إلى وقت آخر.

إن الأسعار والفساد  وغير ذلك من القضايا والملفات الهامة  يمكن الاهتمام بها في هذا العام وفي العام المقبل، والعام الذي يليه، أما فرصة إعطاء اللغة العربية مكانتها التي تستحق في التعليم إن ضيعناها هذا العام، فإن الفرصة لإعطائها المكانة التي تستحق لن تتوفر لنا مجددا إلا بعد عقد أو عقدين من الزمن، ذلك أن إصلاحات التعليم لا تتم كل عام أو عامين..هذا قوس فتحته ـ دون استئذان ـ  للرد على الذين يقولون أن هناك ما هو أولى بالاهتمام من اللغة العربية في الوقت الحالي.

4 ـ هناك حملة أو حملتان أفكر في إطلاقهما مستقبلا، واحدة منهما بُرمجَ لإطلاقها في العام 2023 إن كان في العمر بقية، وستكون تحت شعار : "معا لحماية المستهلك".

خلاصة هذه الفقرة الأخيرة من المقال هي أن كاتب هذه السطور منشغل في هذه الفترة في حملات توعوية، وهو لا يفكر حاليا في الأنشطة الاحتجاجية، سواء تعلقت تلك الأنشطة بارتفاع أسعار المحروقات أو بقضايا أخرى.  لا يعني هذا الكلام أني لن أشارك مستقبلا في أي نشاط احتجاجي إن تبينت لي جدوائية وأهميته. نعم يمكن أن أشارك من حين لآخر في الأنشطة الاحتجاجية إن كانت مقنعة، ولكن ستبقى الأولوية دائما للأنشطة التوعوية التي تحدثتُ عنها في الفقرة السابقة.

آه، نسيت أن أقول إني أتحرك وفق ما يمليه على ضميري، ووفق ما اعتقد أنه سيحقق مصلحة عامة، وأنه لا شيء يلزمني ـ لا أخلاقيا ولا سياسيا ـ أن أتحرك تبعا لتقلبات مزاج الآخرين.

 حفظ الله موريتانيا...