تشكل الصحراء نحو 90% من مساحة موريتانيا، ولذلك فهي معرضة بشكل خاص للآثار المترتبة على فترات الجفاف الطويلة وندرة هطول الأمطار.
وبالنسبة للمدنيين يمكن لهذه الكوارث الطبيعية أن تكون مهددة للحياة، وفي الوقت الحالي يعيش ما يقارب 17% من السكان تحت خط الفقر المدقع، مع عيش واحد إلى 4 أطفال في فقر مدقع.
وفي مقال نشرته مجلة "نيوزويك" (Newsweek) الأميركية تصف الكاتبة فادومو عبد القادر كيف توشك الرمال الحمراء المصفرة على غمر المنازل في بلدة التاكلالت بموريتانيا، حيث باتت الحياة قاسية في شمال غرب أفريقيا، وكان لعدم القدرة على التنبؤ بأزمة المناخ آثار مدمرة بالنسبة للكثيرين، من تهجير الأسر وتدمير سبل العيش إلى التأثير الصحي والعقلي.
مشكلة كبيرة في أفريقيا
وذكرت الكاتبة أن التصحر -وهو عملية تحول الأراضي الخصبة إلى صحراء- يمثل مشكلة كبيرة في جميع أنحاء أفريقيا.
وفي الوقت الحالي وصل التصحر إلى 45% من مساحة اليابسة في أفريقيا، وتتأثر موريتانيا بشكل خطير بتغير المناخ والتصحر.
ويعتمد العديد من الموريتانيين على الموارد الطبيعية لتوفير سبل عيشهم، وقد أثر التصحر بشدة على التنمية الاقتصادية للبلاد، حيث يؤدي تغير المناخ إلى المزيد من إفقار المجتمعات المستضعفة.
وتطرقت الكاتبة إلى قصة كومبا إبراهيم من بلدة التاكلالت التي أخبرتها كيف غادرت قريتها بعد أن غمرت الرمال منزلهم وانتقلت إلى قرية جديدة أملا في الهروب من رمال الصحراء الكبرى، لكن عمليات الإزالة المنتظمة للرمال التي تتطلب قوة عضلية تؤثر على جسدها مسببة لها أوجاعا تتركها ليالي بلا نوم، كما تغطي يديها بقع داكنة ناجمة عن التجريف المستمر للرمال الساخنة والندوب التي تمثل تذكيرا بصريا مؤثرا بنضالها.
وتقول كومبا "هذه هي الحياة في موريتانيا، إن وضعها مروع مثل بقية أفراد مجتمعها، ذلك أن تأثير التصحر يدمر سبل عيشها وصحتها، ولا يوجد سوى القليل من الراحة في كفاحها".
التصحر ليس وحده
وإلى جانب التصحر ذكرت الكاتبة أنه يجب على السكان المحليين أيضا مواجهة أزمة شح المياه، حيث تعتبر المياه العذبة والنظيفة والمأمونة رفاهية.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يموت 2150 موريتانيا بسبب أمراض الإسهال سنويا، ومعظم هذه الوفيات (90%) مرتبطة بالمياه الملوثة، ويجد أولئك الذين يعيشون في القرى النائية صعوبة أكبر في الوصول إلى المياه النظيفة بسبب ندرتها.
وتقول مديرة قسم البيئة وتغير المناخ والصحة في منظمة الصحة العالمية ماريا نيرا "أصبحت آثار تغير المناخ متزايدة في حياتنا اليومية، ولا يتوفر سوى القليل جدا من الدعم للصحة النفسية للأشخاص والمجتمعات التي تتعامل مع أخطار المناخ والمخاطر طويلة الأجل".
أما الموريتانية فاطمة أحمد فتقول إنها قلقة باستمرار على سلامة أطفالها، ذلك أن 3 من أطفالها الأربعة مكفوفون منذ الولادة، وهي تعتقد أن الحرارة الشديدة والعواصف الرملية تزيد تفاقم حالتهم الصحية، إنها قلقة على مستقبلهم إذا لم يتحسن الوضع.
ويبرر هذا القلق المنزل ذو الغرفة الواحدة والمصنوع من صفائح المعدن المموجة، فيما كان الجو خانقا في الصحراء الكبرى، ورغم تردي وضع عائلتها الصحي فإنها لا تزال ممتنة لأن لديها منزلا، وتأمل ألا يختفي منزلها وممتلكاتها تحت الرمال دائمة الحركة، حيث يعد منزل فاطمة من بين العديد من المنازل غير الصالحة للسكن في التاكلالت.
بدورها، تشير أمينة محمد نائبة رئيس بلدية التاكلالت -التي أخذت الكاتبة في جولة في جميع أنحاء القرية- إلى التهديد الذي يفرضه التصحر على الغذاء والإسكان وصحة السكان قائلة "لقد أثر التصحر على سكان التاكلالت، والعديد من المنازل غير صالحة للعيش، وقد قرر الناس مغادرة القرية بسبب نقص المياه والدخل، إنهم ينتقلون إلى العاصمة نواكشوط لبدء حياة جديدة، لقد دمرت حياة الكثيرين، فيما أشاهد قرية أخرى تختفي تحت الرمال".
تغير المناخ والأنشطة البشرية
وفي حين أن تغير المناخ هو أهم عامل للتصحر لكن لا يمكن تجاهل حقيقة أن الأنشطة البشرية مسؤولة جزئيا أيضا، فإزالة الغابات شائعة في موريتانيا، ومع تزايد الفقر يتجه الناس إلى مصادر دخل بديلة.
ووفقا للمنظمة العالمية لمراقبة الغابات، فقدت موريتانيا من عام 2001 إلى عام 2021 حوالي 33 هكتارا من مساحات الأشجار.
ويقوم السكان المحليون بقطع الأشجار بشكل غير قانوني وحرقها على أمل الحصول على الفحم، وبالنسبة لهم فإن الفحم هو مصدر دخل وطريقهم للبقاء على قيد الحياة، ولكن لا يدرك الكثيرون آثار قطع الأشجار على البيئة وكيف يؤدي ذلك إلى تفاقم ظاهرة التصحر، وفي نواكشوط تم التصدي لمشكلة قطع الأشجار من خلال تركيب الحواجز وتأمين الحراسة لحماية الأشجار المزروعة.
ويهدف مشروع السور الأخضر العظيم -الذي تم إطلاقه في عام 2007- إلى استعادة المناظر الطبيعية المتدهورة ومكافحة التصحر عبر منطقة الساحل الأفريقي، وترمي المبادرة إلى استعادة 100 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة وخلق 10 ملايين فرصة عمل خضراء بحلول عام 2030.
السور الأخضر العظيم يهدف لاستعادة 100 مليون هكتار من الأراضي وخلق 10 ملايين فرصة عمل (غريت غرين وول)
وحاليا، اكتمل المشروع بنسبة 15% فقط، وبينما تهدف مبادرة السور الأخضر العظيم إلى منع التصحر فإن أشخاصا مثل كومبا وفاطمة اللذين يواجهان قسوة تغير المناخ بحاجة إلى الدعم الآن.
الجزيرة نت