أنهت عملية إنقاذ الطفل "شبو" على يد وحدة من الجيش الموريتاني مأساة استمرت 22أزيد ساعة من الانتظار، توجهت الأنظار فيها إلى أحد السدود المهجورة في مقاطعة بومديد بولاية العصابة، وحبس الكل أنفاسهم وهم يشاهدون طفلا أعزل إلا من إرادة التشبث بالحياة وهو يغالب تيار السيل الهادر متمسكا بإحدى اسطوانات السد، في الوقت الذي يترفع فيه طوفان المياه المتدفقة حتى يوشك على ابتلاع الجسم الهزيل المرتجف جراء الخوف وتيار المياه الهادر.
ليس الطفل "شبو" أول طفل موريتاني يتعرض للغرق بعدما خرج في رحلة استجمام وسباحة في مجاري الأودية ووهاد السدود القريبة من قريته ومرابع أهله، أهاليهم لكنه بكل تأكيد حجز لنفسه مكانا في قلوب الملايين الذين تابعوا الحادثة من بدايتها والسيناريوهات المأساوية التي أوشكت أن تنتهي إليه خاصة في ظل تباطؤ عمليات الإنقاذ، وفشل كل محاولات الوصول إلى الطفل المنكوب.
ما قبل الكارثة
بقي الطفل أزيد من 20 ساعة يغالب تيار السيل الجارف، كالقشة بين الأمواج، وكان صوت والد الطفل وهو يصيح مناديا "شبو" لا تنام صرخة ألم يقطع صداها نياط القلب، وتكشف عن لحظات العجز والضعف عندما تنكسر إرادة الفرد أمام غضبة الطبيعة وسطوة الظروف..لكنها دعوة مضطر سرعان ما حملت معها الفرج وكشفت السوء.
ينحدر الطفل "شبو" من مدينة بومديد في ولاية العصابة بالوسط الموريتاني والتي تشغل هضبة العصابة أجزاء واسعة من أراضيها، وتحتاج عمليات الاستفادة من مياه الأمطار الموسمية بناء السدود وشق الترع، فيما وفرت التضاريس الجبلية بيئة رعوية وسياحية مثالية..لذا كثيرا ما جذبت وهاد الأودية ومجاري المياه اهتمام الأطفال والمراهقين الذين ينتظرون مواسم الأمطار للسباحة في هذه البرك والآضات ..لم يكن الحدث "شبو" سوى أحد هؤلاء لكن الحادثة حولته إلى شخصية مشهورة بعد ساعات من الترقب والانتظار .
فقد اشتعلت وسائط التواصل الاجتماعي بعبارات التعاطف مع الفتى المحاصر، وضجت بالمطالبة بإنقاذه على جناح السرعة، فيما كانت كمرات الهواتف تلتقط آخر تفاصيل المشهد الحزين.
كان خبر التقاط الفتى لإحدى ثمرات البرتقال التي رامها متجمهرون حول السد خبرا أثلج صدور المتابعين الذين أشفقوا عليه من السقوط تحت وطأة الوهن والضعف بعد ساعات عدة من الجوع والخوف.لكن ساعات الانتظار مرت كئيبة متثاقلة وكأنها أيام رغم الحديث عن تحرك السلطات لإنقاذ الموقف، والاستجابة لنداءات التدخل العاجل التي أمطرت كل الجهات التي من المؤمل أن تعيد البسمة والأمل للقلوب القلقة، والنفوس المكلومة.
الإنقاذ ملحمة الساعات العشرين
رغم أن عملية انقاذ "شبو" لم تستغرق سوى ساعات قليلة إلا أنها وضعت حدا لساعات طوال من الانتظار والقلق، وأظهرت قدرة السلطات على التدخل، واستخدام آليات إنقاذ تبدو متطورة نوعا ما في مثل هذا النوع من الحوادث مما يظهر رهان السلطات على إتمام العملية على أكمل وجه خاصة في ظل استحضار البعض عديد الحالات التي لم تحرك فيها السلطات ساكنا لإنقاذ المنكوبين، وكانت حادثة انهيار أحد آبار التنقيب عن الذهب والتي أودت بحياة منقبين أبرياء خير دليل، بل حمّل البعض تعزية رئيس الجمهورية في المفقودين كل المسؤولية عن توقف عمليات الإنقاذ وتباطؤها رغم العثور لاحقا على أحد المنقبين على قيد الحياة.
وكما شكلت تلك الحوادث المأساوية بؤرة اهتمام الرأي العام الوطني، فإن حادثة الفتى "شبو" استقطبت اهتمام كل الطيف الوطني، ووحدت الموقف بشأن تثمين تدخل السلطات الذي أنقذ الموقف ووضح حدا لمأساة كانت على شفا الحدوث يعلق البعض.
وكانت تدوينة رئيس الجمهورية التي هنأ فيها بنجاح عملية الإنقاذ البلسم الذي سكب الطمأنينة في النفوس، وأعاد البهجة إلى القلوب خاصة لدى ذوي الطفل وسكان القرى المجاورة لمنطقة الحادثة.
"شبو"..ومأساة أطفال الداخل
رغم التعاطف الواسع والمستحق الذي حظيت به حادثة الفتى "شبو" إلا أن الحادثة نفسها تدفع إلى الذهن التساؤل عن مصير عشرات الأطفال من سكان الداخل الذين يقضون كل عام تارة بسبب الغرق أو العطش أو تحت سياط أمراض متوطنة كالملاريا والتيفود وغيرها، ومن يتحمل المسؤولية عن الواقع المزري الذي يعيشه هؤلاء ؟؟
فقبل أيام قليل ودع الدنيا شاب فاضل ومرب خلوق بعدما قضى غرقا في حادثة مماثلة قرب أطار في الشمال الموريتاني، كما تتهدد آبار التنقيب، ومغامرات البحث عن الثراء حياة عشرات الشباب من الموريتانيين دون أن تحرك السلطات ساكنا لإنقاذ هؤلاء، فهل يكون إنقاذ "شبو" فاتحة طريق لإعادة النظر في وسائل الإنقاذ والتدخل الحكومي، أم تكون الواقعة مجرد حدث عابر وسحابة صيف سرعان ما تنقشع؟ يتساءل الكثيرون.