مرت لحد الآن عدة أشهر منذ أن أبل الوزير الأمين العام للرئاسة يحيى ولد أحمد الوقف فرقاء المشهد السياسي بتوقيف جلسات التشاور الموسع إلى "أجل غير مسمى" وطوي في لحظات ما استغرق التحضير له أكثر من سنتين من النقاش والتشاور واللقاءات المغلقة خلف الكواليس وفي المكاتب الخاصة.
فلماذا توقف الحوار فجأة، وهل جاء توقيفه بسبب خلاف على المضامين والأطروحات السياسية المناقشة حوله، أم كان صراع لوبيات في عمق السلطة أكثر من كونه صراع إرادات بين الأغلبية والمعارضة في البلاد.
هكذا كانت النهاية..
تقول مصادر متعددة لموقع الفكر إن إعلان توقيف الحوار كان مفاجئا لعدة جهات مراقبة للملف، ومن أبرزها جهة الإشراف بقيادة الوزير الأول السابق والقيادي في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وذلك حينما استدعي على عجل إلى الوزارة الأولى ليلتحق بلجنة وزارية تحدث أمامها وزير الداخلية عن العقبات التي وضعتها أطراف من المعارضة في وجه الحوار وعن الأفق المسدود التي وصلت إليه طريق الحوار، مضيفا أن الاستمرار فيه مضيعة للوقت، معلنا بشكل رسمي توقيف جلسات الحوار إلى أجل غير مسمى، وليتولى بعد ذلك ولد أحمد الوقف إبلاغ المتحاورين بالخلاصة.
تفاديا لحوار غير وطني
تؤكد مصادر قريبة من صف السلطة أن مسار الحوار خضع في نهاية المطاف لتقييم جهات سياسية وأمنية في الهرم السياسي للسلطة، وخلصت بأن انسحاب أطراف وازنة من المشهد السياسي وبشكل أقرب إلى التدبير والتنسيق المشترك، يفقد التشاور السياسي جاذبيته، ويفقده أيضا طعمه الوطني.
وتقول المصادر إن غياب الأحزاب والقوى السياسية المحسوبة على "تيار الحراطين" وبشكل متواصل ومنسق دفع في النهاية إلى صورة مشوهة لحوار أحادي اللون، وهو ما رأى فيه النظام تقويضا لمساعيه من أجل حلحلة الملف الحقوقي وإضفاء مسحة التهدئة على المشهد العام، واستلال فتيل الصراع العرقي من الخطاب السياسي، وتحمل أطراف قريبة من النظام رئيس حركة إيرا المسؤولية عما آل إليه الحوار من فشل، وتضيف ذات المصادر أن ولد اعبيدي قابل الاحتفاء والتقدير الذي عامله به ولد الشيخ الغزواني بكثير من التحريض والعنف السياسي الذي أدى في النهاية إلى فشل الحوار على حد قولها.
وإلى جانب ذلك ترى بعض الأطراف أن موقف رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير هو الآخر أثر سلبا على الحوار، حيث فشلت جهود الوزير الأول السابق يحيى ولد أحمد الوقف في إقناعه بالجلوس على طاولة التشاور، لتعدد بذلك السهام الموجهة إلى الخواصر الرخوة للتشاور.
خصوم ولد الوقف ..وتدبير النهاية الحزينة للحوار
تتحدث مصادر متعددة عن دور أكثر مباشرة وتأثيرا لأطراف متعددين في قمرة القيادة في السلطة، في تهيئة الظروف لإيقاف التشاور، ومن بين هذه الأطراف التي تشير إليها أصابع الاتهام.
خصوم ولد الوقف في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وخصوصا العناصر القيادية في مكتب رئاسة حزب الاتحاد، والتي كانت معترضة أصلا على إقامة الحوار مع المعارضة، ومتذمرة من التقارب الشديد بين قوى معارضة والنظام، في الوقت الذي يعاني فيه عناصر الأغلبية صعوبة في التواصل مع دوائر الثقة والنفوذ في السلطة.
وتذهب بعض المصادر إلى أن مستشارين في رئاسة الجمهورية، سوقوا فكرة عدم جاهزية البلاد لمخرجات التشاور الموسع، وخصوصا أنها ستفتح مواضيع متعددة أصبحت في عداد المحسوم، مما يعني ضرورة مراجعة التعهد الرئاسي بفتح حوار " لا يستثني طرفا ولا موضوعا"
هل يكون حوار الداخلية البديل الظرفي عن التشاور؟
تراهن أطراف متعددة في السلطة على إمكانية إقامة حوار بديل من خلال بوابة وزارة الداخلية وتعتمد هذه الأطراف على معطيات من أبرزها:
قرب الآجال الانتخابية، مما يستدعي الدخول في حوار حول الموضوع الحال بدل إضاعة الوقت في مواضيع خلافية أخرى وذات بعد دستوري.
عمق الخلاف بين أحزاب المعارضة فيما بينها مما يجعل من الصعب عليها الائتلاف في موقف موحد تجاه "حوار الداخلية"
استدرار الدعم الدولي للانتخابات، والذي يتطلب الحصول على توافق محلي بين القوى السياسية، ويربط الاتحاد الأوربي بشكل خاص تمويل الانتخابات بوجود هذا التوافق الذي سيمكن الحكومة من الحصول على حوالي 5 مليارات أوقية من الاتحاد الأوربي لتمويل الانتخابات.
وتضفي كل هذه العوامل على أداء وزير الداخلية نشاطا وحرصا على "الحصول على توافقات" كما أنها سترفع حظوظه وأسهمه باعتباره رجل المصالحة وإدارة المراحل الانتقالية والاستحقاقات المهمة في مسيرة البلد.
وبين مطامح وزير الداخلية وآمال ولد الوقف في استعادة التشاور الموسع، يبقى ملف التهدئة السياسية ورقة في مهب رياح مشاريع ورهانات متناقضة بين المعارضة والنظام