بالتزامن مع إعلان نتائج الانتخابات التشريعية في السنغال، وقعت داكار اتفاق سلام مع حركة انفصالية في جنوب البلاد تعهدت بإلقاء السلاح، بعد 40 عاما من التمرد.
ويُعد هذا الاتفاق نصرا سياسيا للرئيس ماكي سال، رغم تزامنه مع خسارة الائتلاف الحزبي الداعم له الأغلبية البرلمانية، التي كان يتمتع بها في الولاية السابقة.
فبعد أن كان الائتلاف الحاكم يسيطر على أكثر من ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان (125 مقعدا من إجمالي 165)، لم يحصل هذه المرة سوى على أقل من نصف المقاعد (82).
ـ خرق لمعاقل المعارضة بالجنوب
إلا أن توقيع اتفاق السلام مع متمردي كازامانس، في 4 أغسطس/ آب الجاري، يمثل اختراقا سياسيا لمعاقل المعارضة السياسية في الجنوب، والتي فازت بعدة دوائر انتخابية بالمنطقة سواء في الانتخابات البرلمانية الأخيرة أو الانتخابات المحلية، التي جرت في مارس/ آذار الماضي.
ومنذ وصول سال، إلى الحكم في 2012، سعى إلى إنهاء هذا النزاع الذي أوقع آلاف القتلى منذ اندلاعه في 1982.
ونجح سال في خفض العنف بمنطقة كازامانس، بعد إعلان المتمردين وقف إطلاق النار من طرف واحد في 2014، لكن ذلك لم يمنع وقوع عدة اشتباكات بين الجيش والمتمردين سقط خلالها العديد من القتلى بين الجانبين، آخرها مطلع العام الجاري.
ووضع سال، ضمن أولويات ولايته الرئاسية الثانية (2019 ـ 2024)، الوصول إلى "اتفاق سلام نهائي" يطوي صفحة أحد أقدم النزاعات المسلحة بإفريقيا، وهو ما تحقق بوساطة من غينيا بيساو المجاورة لإقليم كازامانس من الجنوب، والتي تترأس حالية المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا "إيكواس".
ومن شأن نزع سلاح المتمردين وضع حد لهذا الصراع رغم أنه لم يعلن بعد تفاصيل الاتفاق، وما هو الثمن الذي دفعته الحكومة مقابل موافقة الانفصاليين على وضع السلاح، فما زالت بنود الاتفاق سرية.
سياسيا، سيعزز الاتفاق شعبية الرئيس سال، لكنه لن يكون كافيا لمنحه إمكانية الترشح لولاية ثالثة، يمنعها الدستور، خاصة مع فقدان الأحزاب الداعمة له للأغلبية المطلقة في البرلمان الذي بإمكانه تعديل الدستور، إلا إذا لجأ إلى الاستفتاء الشعبي.
ـ من هم متمردو كازامانس؟
لا تختلف قضية كازامانس كثيرا عن عدة أقاليم أخرى في إفريقيا على غرار جنوب السودان، أو الإقليم الناطق بالانجليزية في الكاميرون، إذ إنها جميعها من مخلفات الاستعمار.
فإقليم كازامانس، الذي تفصله عن البلد الأم دولة بكاملها هي غامبيا، تعرض للاحتلال البرتغالي لعقود طويلة، بينما خضعت الأقاليم الشمالية للسنغال للاستعمار الفرنسي، ومع تركيز البعثات التبشيرية على الإقليم اعتنق جزء من سكانه للمسيحية بالإضافة إلى الديانات الوثنية التقليدية.
هذا ما خلق تمايزا لغويا وثقافيا ودينيا وحتى جغرافيا ومناخيا بين الشمال المسلم الذي يغلب عليه المناخ الصحراوي، والجنوب المسيحي الوثني الأقرب إلى المناخ الاستوائي الغني بالثروة المائية والغابية.
ومع إحساس سكان الإقليم خاصة من عرقية جيولا بالتهميش، وأن ثرواتهم تستفيد منها داكار، طالبوا بالانفصال عن السنغال، قبل أن تتحول هذه المطالب إلى تمرد في 1982، قادته حركة القوات الديمقراطية بزعامة القس أوغسطين دياماكون سنغور، والمفارقة أنه في نفس العام وقعت السنغال وغامبيا اتفاقا للاتحاد الكونفدرالي (انسحبت منه غامبيا في 1989).
وشهدت الفترة ما بين 1992 و2001، أعنف مراحل القتال بين المتمردين والجيش السنغالي، سقط خلالها نحو ألف قتيل، قبل أن تتراجع حدة القتال في السنوات التي تلتها.
وتُتهم غامبيا بتقديم دعم لمتمردي كازامانس، على اعتبار أنهم كانوا يتخذون من أراضيها قواعد خلفية لمهاجمة الجيش السنغالي، لكنهم كانوا أيضا ينفذون هجماتهم من داخل الحدود مع غينيا بيساو، وهذا أحد الأسباب التي أدت إلى إطالة أمد الحرب.
ـ هل بإمكان اتفاق السلام الصمود؟
اتفاق السلام الذي تم توقيعه بين الحكومة السنغالية وحركة القوى الديمقراطية لكازامانس، بغينيا بيساو الخميس، لم يكن الأول من نوعه، إذا تم توقيع اتفاقات لوقف إطلاق النار ما بين 1991 و2001، لكنها خرقت من هذا الطرف أو ذاك.
لكن في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2004، توصل الطرفان إلى اتفاق تضمن وعودا حكومية بتحويل المتمردين إلى قوات شبه عسكرية، وتنفيذ برامج إنعاش اقتصادي في الإقليم، وتقديم مساعدات للنازحين واللاجئين العائدين إليه، إذ بلغ عدد النازحين حوالي 70 ألفا في 2014.
وانهار الاتفاق في 2005، بعد أن انشقت عناصر متشددة في حركة القوى الديمقراطية لكازامانس، وتم توقيع اتفاق آخر في نفس العام، دون أن ينهي النزاع على الأرض.
وحتى بعد إعلان قادة التمرد وقف إطلاق نار من جانب واحد في 2014، وقعت عدة عمليات عسكرية ضد الجيش، آخرها في يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما هاجم المتمردون وحدات للجيش السنغالي على الحدود مع غامبيا، وقتلوا 4 جنود، واحتجزوا 7 آخرين كرهائن، أطلقوا سراحهم في فبراير/ شباط.
كما شن الجيش الحكومي هجوما على مواقع المتمردين، في مارس/ آذار الماضي، زعم أنه دمر قواعد لهم، وقتل خلالها جندي وجرح آخرون.
لذلك من المبكر الحديث عن اتفاق سلام نهائي قبل تسليم جميع فصائل التمرد لأسلحتها، خصوصا أنه لم يتم إعلان بنوده بعد، والتي من المستبعد أن تحقق مطلب المتشددين بانفصال الإقليم عن السنغال، وقد لا تخرج عن المبادئ العامة لاتفاق 2004، مع منح سكانه مزيدا من الحقوق الثقافية والمساعدات وتخصيص برامج تنمية للإقليم، الذي يمثل 15 بالمئة من مساحة البلاد، ويقطنه أكثر من مليون نسمة، ينتمون إلى نصف العرقيات المتواجدة في البلاد.
الأناضول