ماذا يُراد بالتشويش على احتفالات حزب الإنصاف المخلدة للذكرى الثالثة للتنصيب؟/ محمد الأمين الفاظل

هناك ثلاثة مجالات أو قطاعات تدخل فيها نظام الرئيس محمد الشيخ الغزواني خلال السنوات الثلاث الماضية بشكل جيد، ومن الملاحظ أن هناك تفاوتا واضحا في التسويق الإعلامي والسياسي لما تحقق من إنجاز في تلك المجالات والقطاعات.

أول هذه المجالات يتمثل في التهدئة وتطبيع الحياة السياسية، ولا خلاف على أن ما تحقق على مستوى التهدئة السياسية في السنوات الثلاث الماضية، كان لافتا، ولا خلاف أيضا على أن هذه التهدئة السياسية قد وجدت من التسويق الإعلامي والسياسي ما تستحق، ويرجع السبب في ذلك في أن المستفيد الأول من هذه التهدئة هو النخب السياسية، وتلك لها قدرة كبيرة في التأثير على الرأي العام، ثم إن مشاركة المعارضة الموريتانية في الدعاية لهذه التهدئة قد ساهم هو كذلك ـ وبشكل كبير ـ في تسويق هذا المنجز على المستويين الإعلامي والسياسي.

أما المجال الثاني فهو يتعلق بمحاربة الفساد، فإذا كان نظام الرئيس محمد الشيخ الغزواني قد فتح ملف فساد غير مسبوق من حيث الحجم وعدد المشمولين (ملف العشرية)، وإذا كان هذا النظام قد رفع من مكانة المفتشية العامة للدولة بشريا وماليا ومعنويا من خلال إلحاقها برئاسة الجمهورية،وإذا كان قد فتح ملفات فساد في العهد الحالي واستعاد أموالا طائلة..إذا كان النظام قد قام بكل ذلك، فإنه قد وجد صعوبة كبيرة في تسويق ما قام به في مجال محاربة الفساد، ويعود ذلك إلى حذر الرأي العام، وعدم تحمسه لتصديق جدية محاربة الفساد، وذلك نتيجة لتراكم العديد من الخيبات من خلال تجارب سابقة في محاربة الفساد، ثم إن تصدر من يشتبه فيه للواجهة الإدارية أو السياسية للنظام زادت من شكوك الرأي العام حول جدية الحرب على الفساد.

أما المجال الثالث، والذي شهد الإنجاز الأهم في العهد الحالي، فيتمثل في الجانب الاجتماعي، أي الاهتمام بالفئات الهشة، ومما لا شك فيه أنه قد تحققت إنجازات ملموسة في هذا المجال، وفي ظرفية دولية اتسمت بالعديد من الأزمات : جائحة كورونا؛ الحرب في أوكرانيا..إلخ.

إن هذا القطاع الذي شهد إنجازات ملموسة، كانت إنجازاته هي الأقل تسويقا على المستويين الإعلامي والسياسي، ويعود ذلك لأسباب كثيرة، لعل من أبرزها:

1 ـ أن الفئات الهشة هي المستفيد المباشر من هذه الإنجازات، ومن المعلوم أن هذه الفئات لا تمتلك حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تتم استضافتها في الإذاعات والتلفزيونات، ولا صلة لها بأحاديث الصالونات، أي أنها ـ وبكلمة واحدة ـ لا تمتلك القدرة لتسويق ما تحقق لصالحها من إنجازات، لا إعلاميا ولا سياسيا.

2 ـ أن ما تحقق على هذا الصعيد، يختلف عما تحقق على مستوى التهدئة السياسية، فإذا كانت المعارضة قد ساهمت في تسويق ما تحقق في مجال التهدئة وتطبيع الحياة السياسية، فإنها ـ أي المعارضة ـ غير معنية إطلاقا بتسويق إنجازات النظام لصالح الفئات الهشة. يعني ذلك أن الذراع الإعلامي والسياسي للنظام هو المعني حصرا بالتسويق الإعلامي والسياسي لما تحقق لصالح الفئات الهشة.

3 ـ ضعف الأداء لدى الذراع الإعلامي والسياسي للنظام، ولا شك أن ذلك انعكس سلبا على تسويق كل المنجزات، ولكنه انعكس بشكل أكبر على التدخل في المجال الاجتماعي، وذلك نتيجة لما بيناه في النقطتين السابقتين.

إنه من المهم جدا أن يتحقق إنجاز ما في مجال ما على أرض الواقع، ولكن تحقيق هذا الإنجاز لا يكفي لوحده، فالأنظمة الحاكمة تحتاج إلى أذرع سياسية وإعلامية تسوق إنجازاتها..

من المهم أن يتحقق إنجاز ما، ومن المهم أيضا أن يتولد لدى المواطن إحساس وشعور بأن هناك إنجازا ما قد تحقق، وإذا لم يتولد ذلك الإحساس والشعور، فسيعني ذلك أن أداء الذراع السياسي والإعلامي للنظام لم يكن على المستوى..

كل ذلك كان مقدمة لابد منها للتعليق على الخطأ القاتل الذي ارتكبه حزب الإنصاف خلال نشاطه الكبير الذي نظمه في قصر المؤتمرات القديم بمناسبة مرور ثلاث سنوات على تنصيب رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني.

بدءا لابد من القول بأن الاستبيان أو الاستطلاع الذي أعده الحزب عن بعض المشاريع الاجتماعية كان عملا مهما في مجال التسويق الإعلامي والسياسي للبرنامج الاجتماعي للرئيس، كما أن تسليم تكريمات من طرف المستفيدين من التدخلات الاجتماعية لمن يديرون بعض القطاعات والمشاريع الاجتماعية يعد عملا مهما لتسويق المنجز على هذا الصعيد، ومما يزيد من أهمية ذلك ـ وهو ما أشرنا إليه سابقا في هذا المقال ـ  أن التسويق الإعلامي والسياسي للشق الاجتماعي في برنامج الرئيس كان ضعيفا جدا خلال السنوات الثلاث الماضية.

نعم لقد وُفق الحزب في هذا الاستبيان، ووُفق في إشراك مواطنين بسطاء مستفيدين من التدخلات الاجتماعية في حفله المذكور، وذلك عندما أتاح لهم الفرصة لأن يكرموا بعض الموظفين القائمين على بعض القطاعات الاجتماعية..نعم لقد وُفق الحزب في كل ذلك، ولكنه أخطأ خطأ قاتلا عندما كلف أحد الموظفين بالاستبيان وتقديم عرض عنه في الاحتفال، مع العلم أن ذلك الموظف ـ وحسب المتداول إعلاميا ـ قد زارته المفتشية العامة للدولة في مؤسستين عموميتين، وسجلت خروقات كبيرة في تسييره.

فأي رسالة سياسية أراد الحزب أن يوصلها من خلال تكليف موظف سجلت عليه المفتشية العامة للدولة خروقات في التسيير، تكليفه بتولي أهم عرض وأقوى فقرة في احتفالات الحزب المخلدة للذكرى الثالثة لتنصيب رئيس الجمهورية؟

فهل أراد الحزب أن يقول لمنتسبيه وللرأي العام الوطني أن عمل المفتشية العامة للدولة ـ والتي جعلها فخامة الرئيس تابعة له ـ لا أهمية له، وأن رئيس الجمهورية غير جاد في محاربته للفساد؟

أم أن الحزب أراد أن يطمئن كل الذين تحوم حولهم شبهات فساد من منتسبيه، وأن يبعث لهم برسالة مطمئنة وغير مشفرة مفادها أن المقاعد الرفيعة والأمامية في واجهة الحزب ستبقى محفوظة لكل من تحوم حوله شبهة فساد من منتسبي الحزب؟

أم أن الأمر يدخل فقط في خانة المجاملات وعدم إغضاب أي منتسب للحزب حتى ولو كانت تحوم حوله شبهة فساد؟ إذا كان الأمر كذلك فلِيعلم الحزب أن ترضية منتسب تحوم حوله شبهة فساد بإعطائه مكانة في واجهة الحزب سيؤدي ـ وبشكل تلقائي ـ  إلى إغضاب العشرات، إن لم أقل المئات من منتسبي الحزب من الموظفين الذين لا تشبهم شائبة في مسارهم التسييري، والذين كانوا يتطلعون لتلك المكانة، فحُرموا منها بسبب مجاملة قيادة الحزب لموظف تحوم حوله شبهات فساد في تسييره.

وتبقى هناك فرضية أخيرة مفادها أن كل ما طرحنا من فرضيات سابقة هو مجرد فرضيات خاطئة، وأن الحزب لم يكن يسعى لتقديم أي رسالة من خلال تكليف أحد منتسبيه ممن تحوم حوله شبهات فساد بتقديم أهم عرض وأقوى فقرة في حفله، وأن ما حصل بهذا الخصوص لم يكن مخططا له، وإنما جاء نتيجة للارتجال.

إذا كان ما حصل هو نتيجة للارتجال، فتلك مصيبة، لأنه لا يليق بحزب غير اسمه وشعاره ورئيسه منذ فترة قصيرة، أن يترك أهم فقرة من فقرات حفله، والذي شكل أهم إطلالة له بعد تلك التغييرات، أن يتركها للارتجال، وإذا كان الأمر مخططا له لبعث تلك الرسائل التي تحدثنا عنها سابقا فالمصيبة أكبر.

ختاما

لقد استبشر الكثيرون بالتغييرات التي شهدها الحزب مؤخرا في تسميته وشعاره ورئاسته، وتوقع الكثيرون أن يقوم الحزب بخطوات تزيد من حجم ذلك الاستبشار، ولكن جاءت بعض فقرات الحفل المخلد للذكرى الثالثة لتنصيب رئيس الجمهورية بما شوش كثيرا على الرسائل الإيجابية التي بعث بها تغيير اسم وشعار ورئيس الحزب.

 

حفظ الله موريتانيا...