على بعد أقل من سنة ينبغي أن تجري ثلاث انتخابات في موريتانيا، لتفزر الطبقة السياسية الجديدة التي ستدير البلديات والمجالس الجهوي والبرلمان في موريتانيا.
وتمتاز الانتخابات المرتقبة بأنها الأولى منذ وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني والتي ستسمح له بأن يختار فريقه البرلماني وممثليه في المجالس البلدية والجهوية، كما ستمكنه أيضا من التخلص من كثير من "الموروثات الانتخابية" التي تركها سلفه الرئيس محمد بن عبد العزيز.
وفي جانب المعارضة تأتي الانتخابات المترقبة لتعزز أو تحد من تمثيلها النسبي في المجالس المنتخبة، كما تأتي أيضا في ظل انقسامات شديدة بين الأطراف الكبرى في المعارضة، وضبابية في موقع وموقف عدد من القوى السياسية بين المعارضة والموالاة.
تنظيم تحت سقف الآجال المستعجلة
تحت سقف الآجال الزمنية المستعجلة تواجه مختلف الأطراف إشكالات دستورية وقانونية وإجرائية، قد تحد من قدرة الجميع على التنظيم الأمثل للانتخابات، وعلى اختيار اللوائح والمرشحين للمقاعد الانتخابية ومن أهم هذه الإشكالات
- التجديد للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات: حيث يفترض أن يغادر كل أعضاء هذه اللجنة مناصبهم بعد انتهاء مأموريتهم، وهو ما يفرض على النظام الإسراع في اختيار لجنة جديدة.
وقد بدأت السلطة فعليا مشاورات من أجل اختيار رئيس جديد للجنة المستقلة، حيث ناقش الرئيس الغزواني قضية "السيني" مع شخصيات سياسية معارضة وأخرى من الأغلبية، "تفكيرا وبحثا " عن شخصية مناسبة لخلافة الرئيس الحالي للجنة المستقلة للانتخابات.
ولا يعرف لحد الآن ما إذا كانت السلطة سوف تعتمد معيارا التمثيل البرلماني لشغل عضوية اللجنة المستقلة في ثوبها الجديد، أم أنها ستعتمد معايير تمثيلية أخرى.
وإلى جانب اللجنة المستقلة للانتخابات هنالك أسئلة أخرى متعددة، تتعلق على سبيل المثال بتحديث اللائحة الانتخابية، وإكمال الإحصاء الإداري ذي الطابع الانتخابي، وإفساح المجال لقرابة نصف مليون ناخب جديد يتوقع أن تزداد بهم اللائحة الانتخابية، خصوصا من الأجيال الشابة.
والأعداد الكبيرة من أصحاب البطاقات المنتهية الصلاحية.
ويثير قانون الانتخابات الحالي مجموعة من الاشكالات تتعلق بصلاحيات اللجنة المستقلة للانتخابات وأخرى تتعلق بالتسجيل، فمن غير المقبول في زمن البطاقات البيومترية منع حاملي جواز السفر من التسجيل بحجة أنهم لايحملون بطاقة تعريف.
فضلا عن التقطيع الانتخابي الذي يرى البعض أنه مجحف ويتعمق باستمرار، والتقطيع الإداري الذي يحتاج التوضيح والشرح، خاصة أن خارطة النسبية تقزمت في ظل هذا النظام بفعل اشتقاق بعض المقاطعات من دوائر النسبية في ألاك وسيلبابي والطينطان ..حسب البعص.
ويثير تمثيل الموريتانيين في الخارج بنواب منتخبين من النواب اشكالية كبرى، ينبغي حلها في إطار التحيين الجديد للقانون حسب البعض.
فلم يعد مناسبا عدم تمكين المواطنين في الخارج من التصويت في الانتخابات، كما لم يعد معياريا أن يحرموا من اختيار ممثليهم.
يطرح البعض سؤالا وجيها عن استمرار اللجنة المستقلة للانتخابات بوضعها الحالي، حيث يرى البعض أنها تتبع لوزارة الداخلية وموجهة من طرفها وتعاني من تغول الحكام على فروعها في الداخل، فهي في الحقيقة لم تتمكن من تحمل مسؤولياتها وبقيت أقرب إلى الحبر على الورق .
ولوزارة الداخلية إن وجدت الإرادة الجادة تجربة ناجحة في إدارة العملية الانتخابية في العام 2001م.
ففي زمن اللجنة المستقلة للانتخابات فتحت المكاتب للوافدين ووقعت أكبر عمليات التهجير في التسجيل والاقتراع، وهو ماينبغي تجريمه في القانون الجديد.
يبقى ضبط تمويل الانتخابات ورقابة التدفقات النقدية فيها من التحديات التي ستواجه الجميع، رغم خطورة شراء الضمير..
- اختيار مرشحي حزب الإنصاف: لشغل 148 مقعدا برلمانيا، ورئاسة 15 مجلسا جهويا، وأكثر من 200 بلدية، وهو ما سيجعل جهة التفكير السياسي في النظام مرغمة على بذل كثير من الجهد لفرز لوائح المترشحين، كما أن هذه الترشيحات سوف تظهر بجلاء اللوبيات والعناصر الأكثر تحكما وسيطرة في بنيىة النظام، خصوصا مع انتشار ظاهرة وفسيفساء الأحلاف والتيارات السياسية التي يقودها أعضاء في الحكومة، وتعمل من داخل حزب الإنصاف، معربة عن مستوى عال من التباينات والشروخ السياسية القوية داخل جسم الحزب الأول للأغلبية
وتؤكد مصادر سياسية تصدر حلف الوزير السابق المختار ولد اجاي للمشهد الأقوى في حزب الإنصاف، حيث يعتبر حليفا قويا لرئيس حزب الانصاف، وهو ما قد يمكنه من الدفع بمقربيه إلى واجهة المشهد الانتخابي، كما سبق أن دفع بهم أيضا في انتخابات 2013.
ومن بين الأحلاف القوية أيضا في المشهد السياسي للأغلبية حلف وزير الدفاع حننا ولد حننا والذي يضم أيضا كتلا سياسية متعددة ومؤثرة في الحوض الشرقي، إضافة إلى حلف مدير الأمن الوطني الفريق مسقارو ولد الغويزي الذي يقود هو الآخر تحالفات قوية وفعالة في الحوض الغربي.
فيما سيكون من المؤكد أن الحلف السياسي المقرب من رئيس الحزب سيكون له تأثير قوي وفعال في ولايات الشمال وخصوصا في آدرار.
- استيعاب المغاضبين: يطرح هذا الملف أيضا نفسه بقوة أمام السلطة، خصوصا أن هنالك عددا كبيرا من داعميها لن يجدوا فرصة للترشيح عبر حزب الإنصاف، وهو ما سيدفعهم إلى البحث عن بدائل في ظل تقليص شديد لعدد الأحزاب السياسية والتي لا تتجاوز الآن 28 حزبا.
وتقدم عدد من الأحزاب المحسوبة على الأغلبية نفسها على أنها الوجهة المناسبة لاستقبال المغاضبين، فيما يدعي بعض قادتها بأنهم على صلة مباشرة بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وأنه يعدهم لاستقبال "الفائض" عن حاجة حزب الإنصاف من المترشحين.
- التمويل: تواجه السلطة الموريتانية إشكال التمويل، وتسعى إلى وجود داعم دولي خصوصا من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية التي دأبت على دعم المسارات الانتخابية في موريتانيا، وتوفير الدعم اللوجستي والرقابة، ويمكن هذا الدعم السلطات الموريتانية من تخفيف الأعباء المالية، إضافة إلى التزكية الدولية التي يتضمنها قرار التمويل والدعم.
- التصدي للتشويش: لا يخفي مقربون من السلطة مخاوفهم من استغلال مقربين من النظام السابق الحملة والانتخابات القادمة من أجل التشويش سياسيا على النظام، ووفق أصحاب هذا الرأي فمن غير المستبعد أن تحرك الدائرة المالية للنظام السابق أموالا طائلة من أجل تشتيت الناخبين أو التأثير على القناعات أو دعم بعض القوى المعارضة للنظام، وهو ما يمثل تحديا كبيرا بالنسبة للنظام.
المعارضة.. إشكالات التحالف والتمويل
تستقبل المعارضة هي الأخرى الموسم الانتخابي بكثير من الخلافات، وضبابية كبيرة في المواقع والمواقف السياسية، وتعدد الرهانات السياسية تجاه النظام.
ويمكن الجزم بأن فرص التحالف أمام المعارضة متضائلة جدا لأسباب متعددة منها:
- تاريخ الصراع والتحالفات الفاشلة بين قوى المعارضة، والاتهامات المتبادلة بالطعن في الظهر أو التراجع عن المواثيق المبرمة بين الطرفين
- التباين في الأحجام الانتخابية: بين مختلف الأطراف المعارضة، حيث توجد أحزاب معارضة تقليدية تعيش تراجعا غير مسبوق ، فيما يعتبر بعضها أبرز القوى السياسية المعارضة ذات الامتداد الشعبي.
- الخلافات بين القيادات: خصوصا في بعض الأحزاب المعارضة.
- ضعف القدرات المالية: يمكن اعتبار أحزاب المعارضة المتضررة الأبرز خصوصا في ظل التحاق عدد كبير من رجال الأعمال المحسوبين عليها بالأغلبية، خلال السنوات الأربعة المنصرمة، ومن بينهم عدد كبير من الحاضنة الاجتماعية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، مما سيجعل تحصيل الأموال الكافية لإدارة حملة انتخابية ناجحة تحديا لأغلب قوى المعارضة.
وإذا كانت المعارضة التقليدية قد استفادت خلال السنوات المنصرمة من تمويل رجال أعمال مغاضبين لنظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، فمن الصعوبة أن تحظى بنفس التمويل والدعم المالي في الفترة الحالية، وذلك بسبب أجواء التهدئة والمصالحات التي أقامها الرئيس الغزواني مع مختلف الطيف الاجتماعي في البلاد، وبشكل أخص مع رجال الأعمال المعارضين الذين استوعبتهم الدائرة السياسية للنظام بكل هدوء ومرونة، ومع ذلك فالمشهد قابل للتغير والمفاجئة.
وبين هذه الإشكالات المتعددة، تحتل الانتخابات القادمة أهمية كبرى بالنسبة للنظام الذي يراهن عليها في توسيع أغلبيته، والمعارضة التي تسعى من خلالها إلى إثبات أنها ما زالت موجودة وذات نصيب معتبر في الساحة.