ليس من الطبيعي أن يعيش الإنسان حياته كلها في صراعات، إذ إن حياة الصراعات الدائمة لا تضمن أمنًا، ولا تبني مجتمعًا، ولا تصنع نهضة، أو تبني حضارة؛ فالصراعات تأكل الأجساد، وتُزْهِقُ الأنفس، وتبتلع الأموال، وتُهْدِرُ الأوقات والأعمار .. حتى الصراع بين الحق والباطل يحتاج إلى حِنكة، وحكمة، ودهاء، وسياسة، وقدرة على إدارة الصراع، كرًّا وفرًّا، وتقديمًا وتأخيرًا، وتسخينًا وتبريدًا.
ولعل ذلك أحد الأسباب التي شُرِعَت الهُدْنَةُ من أجلها، كما فعل النبي- صلى الله عليه وسلم- في صلح الحديبية، وقد رأينا كيف كان ظاهرُ صلح الحديبية إهانة وضَيْمًا ودَنِيَّة، وكان باطِنُهُ الرحمة والعزة والفتح المبين.
فالأمة والمجتمع والأفراد في أمَسِّ الحاجة إلى استراحة كاستراحة المحارب، وأوقاتٍ يلتقطون فيها أنفاسهم، وينظمون أوراقهم، ويرتبون بيتهم، ويقفون مع أنفسهم وقفة تأمل ونظر وتقييم؛ لكي يستأنِفوا رحلتهم على بصيرة وهُدًى، بدلًا من اللّهْثِ الدائم، واستنفاذ الطاقة، وذهاب الجهود سدًى.
إن السير الطويل يلزمُهُ بعض الراحة، وبعض الوقود، وبعض الزاد لاستكمال المسير، وقد جاء في الأثر:" إنَّ المُنْبَتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى"، والمُنْبَتُّ هو الذي يواصل المسير بلا توقف ولا راحة، فتنقطع به السبل.
إن من الأخطاء التي يقع فيها الأقوياء غرور القوة، كما أن من الأخطاء التي يقع فيها الأغنياء غرور المال والثراء.
إن عطاءات الله من قوة، أو مال، أو مكانة، أو جاه، أو غيرها، إنما هي ثروات ونعم تستحق الشكر، ومِنْ شُكرِها المحافظةُ عليها، وعدمُ إهدارِها، أو التفريط فيها بممارسات حمقاء أو قرارات عبثية.
#فؤاد_علوان