مرت ثلاثة أعوام على تعهد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني بإنشاء هيئة وطنية للزكاة، ومأسسة قطاع الأوقاف، وتضمن التعهد الرسمي النهوض بهذا القطاع ليؤدي دوره في مكافحة الفقر والقضاء على التفاوت الاجتماعي.
ومرت ثلاثة أعوام على حديث الوزير الأول حينها اسماعيل بن بد بن الشيخ سيديا في تقريره السنوي أمام الجمعية الوطنية المتضمن عرضا حول حصيلة نشاط الحكومة خلال سنة ٢٠١٩، والخطوط العامة لبرامجها لسنة ٢٠٢٠
ففي حديثه عن الإشعاع الحضاري قال الوزير الأول ولد الشيخ سيديا: "وفي الوقت نفسه، تم الإعداد لإطلاق هيئة وطنية للزكاة يراد منها تنظيم أداء هذه الشعيرة والرفع من مردودها الاجتماعي والاقتصادي".
وفي حديثه عن النجاعة في تسيير المالية العامة قال ولد الشيخ سيديا: " وبالتوازي مع ذلك، سيتم وضع منظومة من شأنها المساهمة في إرساء العدالة الاجتماعية عبر تحسين تحصيل الزكاة وحكامتها وتوزيعها على مستحقيها، مع العمل على تحقيق توزيع أفضل للمجهود الجبائي".
ومر أزيد من عام منذ ان نظمت وزراة الشؤون الإسلامية الملتقى التمهيدي لإطلاق هيئة الزكاة والذي حضره علماء، وخبراء اقتصاديون ورجال أعمال ومهتمون بالقطاع.
وحضر المؤتمر الذي عقد في يونيو 2021 بالإضافة إلى العلماء وزراء العدل والشؤون الإسلامية والمالية، مما أضفى أهمية قصوى على المؤتمر.
من أجل تسيير أمثل لأموال المزكين ...هكذا تحدث الوزير
أكد الوزير الداه ولد أعمر طالب أهمية المؤسسة المتوقعة معتبرا أن القطاع سيعمل" على مَأْسَسَةِ الزكاةِ بشكلٍ يضمن أعلى استفادةٍ لمُحتاجي البلاد من هذه الثروة الكبيرة، التي يمكن أن تُقدِّم الكثير لمصاريفها إذا أُحِسِنَ تسييرُها بانضباطٍ لا ارتجالَ فيه، وبشَراكةٍ تسييريّةٍ شفافةٍ ومطَمْئِة - في الجباية والصرف - بين المُزَكِّي والمؤسسة حتى يَطمئنَّ الجميعُ ببراءة ذمته أمام الله عز وجل في أداء هذا الفرض العظيم، موضحا في هذا الصدد أن هذه خطوةٌ يعترضُها الكثيرُ من مطباتِ الجِدَّةِ، والحاجةِ المُلِحَّة لبناء الثقة، لكننا يضيف الوزير على يقين تام أن إخلاصَ النياتِ والجدِّيَّةَ والعزمَ والفِعلَ النقِيَّ، والسعيَ من الجميع لأن يضعَ بصمتَهُ في هذا الصرح الخيري العظيم لِينالَ به ذكرا خالدا في الملإ الأعلى بعد أن ينساه الجميعُ على أديم هذه الأرض، فيكون له جهدٌ مكتوب في كفالة اليتيم، وإيواء الأرامل، وتفريجِ كُرُبات المُعسرين"
وبين التعهد الرئاسي والاهتمام الوزاري سار ملف مؤسسة الزكاة يحبو ببطء دون أن يفرج عنها لحد الآن.
ملف متكرر على طاولة مجلس الوزراء
تؤكد مصادر موثوقة لموقع الفكر أن ملف مؤسسة الزكاة قد عرض أكثر من مرة على مجلس الوزراء، وأثار نقاشات موسعة بين الوزراء المعنيين به، وفي كل مرة يعاد من جديد إلى وزارة الشؤون الإسلامية لتعميق النظر وتحسين التحضير.
وتقول بعض المصادر أن مؤسسة الزكاة واجهت اعتراضات من وزراء نافذين ومسؤولين رفيعين واقتصاديين وضعوا كثيرا من العراقيل في وجهها، ومن بين العراقيل التي يضعها هؤلاء:
- التشكيك في الآلية المناسبة لجمع الزكاة، وسبل الحصول عليها بالموازاة مع الضرائب التي يدفعها المستثمرون وغيرهم.
- التحذير دائما من حساسية القوى الدولية المانحة والقوى الغربية من مثل هذه المشاريع التي يرون فيها مناقضة للنظام الرأسمالي الذي ينبغي أن يسود العلاقة بين الدول الفقيرة والجهات المانحة.
وبالإضافة إلى ذلك يزعم البعض أن المشروع واجه خلافات وصراعات بين لوبيات متعددة في قطاع الشؤون الإسلامية، على رئاسة وعضوية الهيئة التي تمثل جزء أساسيا من الهوية السياسية والفكرية للنظام.
وتضيف ذات المصادر إن جهات نافذة من بينها وزراء وشخصيات محسوبة على مؤسسات مالية ذات علاقة وطيدة بالغرب تعمل بقوة ضد وجود هذه المؤسسة التي تعتبر جزء أساسيا من تعهدات ولد الشيخ الغزواني.
ويدفع هذا التأخر المتواصل لإطلاق هذه الهيئة إلى التساؤل عن مدى:
- جدية التحضير الفعلي لدى وزارتي الشؤون الإسلامية والمالية لهذا المشروع المهم، وهل هنالك بالفعل تقصير أو تراخ في تقديم مقترح وهيكلة قابلة للانطلاق.
- مالذي يستفيده مسؤولون كبار ورجال أعمال وناشطون في المجال الاقتصادي من وضع العراقيل أمام تعهد مهم من تعهدات رئيس الجمهورية.
- في المقابل يرى آخرون، أن المؤسسات الغربية مهتمة بالمؤسسة وداعمة لها وأنها صنعت على عينها ويستدلون على ذلك بأكثر من دليل،
- أولها أن صندوق الأمم المتحدة للسكان هو من مول دراسة الخبرة المتعلقة بالهيئة.
- أن الأمم المتحدة مهتمة بمراقبة المال داخل البلد ومركزته في يد الدولة، وإدخال بعض الموارد( مثل قطاع المواشي..) في الدورة الاقتصادية بعد أن ظلت خارجها منذو أن رفعت الدولة يدها عن العشور.
- التحكم في وجهة صرف هذه الأمول.
وفي المقابل يتخوف بعض رجال الأعمال من تدخل الدولة في زكاتهم حيث أن، أيديهم ظلت مبسوطة بالخير والعطاء بسخاء وحرية، يصلون ما أمر الله به أن يوصل بدافع الاحتساب دون أن تتدخل لهم الدولة في أداء ركن الزكاة، حيث غاب الرقيب وغاب كل منكد.
ولعدم ثقة الكثيرين في الدولة وبرامجها فهي غير مقنعة لكثيرين منهم، فهي في نظر البعض فاسدة وغير مؤتمنة على أداء حق الله في المال.
خلافا لمن يتحرج من دفع الزكاة مباشرة ويعتبر أن ذلك مرجوحا ومخالفا لماعليه الأمر في حياة النبي صلى الله عليه وهلفائه الراشدين.
وفي أسوء الحالات فالخلاف قديم بين الفقهاء حول موضوع دفع الزكاة للحكام بين من يرى وجوب دفع الزكاة للحاكم ولو لم يكن الحاكم صالحا لأنه محل للاجتهاد واجتهاده نافذ، قال ابن رشد "الأصح أنما يأخذه الولاة من الصدقة يجزئ وإن لم يضعوها موضعها لأن دفعها إليهم واجب لما في منعها إذا طلبوها من الخروج عليهم المؤدي إلى الهرج والفساد فلذا وجب أن تدفع إليهم وتجزئ" وفي المقابل قال في التوضيح " إن كان الإمام يصرفها في غير مصرفها لم يجزئ دفعها إليه لأنه من التعاون على الاثم" وقال اللخمي "إذا كان الإمام غير عدل ومكنه صاحب الزكاة منها مع القدرة على إخفائها لا تجزئ ووجب دفعها من جديد".
فالمزكون بحاجة أن ترفع الدولة عنهم الحرج وأن تبعد المؤسسة عن الممارسات غير النظيفة التي تطبع عمل بعض المؤسسات حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله.
ماهو شكل هيئة الزكاة المرتقبة؟
لم نحصل على شكل الهيئة كما رسمتها جهة الوصاية، لكن يمكننا القول إن مؤسسة الزكاة ستكون على همة وتفكير ضاربها.
فهل ستبقى مؤسسة في ذيل وزارة الشؤون الاسلامية بوضعا الحالي.
أم ستكون مؤسسة شاملة ومستقلة ذات صلاحيات معتبرة في مجال الجباية والتوزيع بقوة القانون، أم أنها ستكون على غرار بعض المؤسسات التي ولدت ضعيفة وعاشت خداجا.
الحاجة لترسانة جديدة من القوانين
الحقيقة أن مؤسسة الزكاة لايمكن أن تولد في الوضع الحالي دون إدخال إصلاحات معتبرة على بعض المؤسسات والقوانين الناظمة لعملها.
مثل النظام الأساسي للبنك المركزي بحيث يتضمن أن من واجبات البنوك الاسلامية تسليم الزكاة للهيئة.
النظم الأساسية للشركات حيث يتضمن وجوبا تأدية حق الله في المال حصرا للهيئة، وان يتضمن محضر التأسيس إقرار المؤسسين بذلك.
النص صراحة على وجوب تطبيق معايير المحاسبة الإسلامية الصادرة عن الأيوفي في كل المؤسسات التي يملكها مسلمون موريتانيون أو أجانب.
تعديل قانون السلك الوطني للمحاسبين لإدراج المحاسبين والمدققين الشرعيين فيه.
تعديل قانون محكمة الحسابات لتتضمن وجود فرع خاص بالمالية الإسلامية، فتتخص هذه الفرع في رقابة المال من منظور إسلامي، ولتوضيح ذلك ونظرا لتعلق الزكاة بملكية موجودات زكوية فإن العبرة في حسابها للمؤسسات بالبيانات الواردة في قائمة المركز المالي للمؤسسة المشتملة على الموجوادت والمطلوبات ومايتعلق بها من مخصصات.
فقائمة الدخل ليست أساسا لحساب الزكاة ولكن يرجع إليها في الموجودات الثابتة الدارة للدخل لمعرفة إيرادها، ولايشترط في وجوب الزكاة كون المؤسسة رابحة ولايمنع من وجوب الزكاة كونها خاسرة.
المطلوبات: الديون والحقوق على المؤسسة: حيث تضم المطلوبات في القوائم المالية بنودا ليست من الوجهة الشرعية ديونا على المؤسسة مثل رأس مال الشركة، فهو ليس دينا وكذلك الاحتياطات والأرباح ليست ديونا على المؤسسة.
المخصصات: تمثل المبالغ المجنبة من الإيرادات في نهاية الفترة المالية لمقابلة احتمال نقص في الموجودات، أو لمقابلة التزام على المنشأة لم يحدد بدقة، أو لم ينشأ، وبما أن المخصصات هي تقدير لمبالغ الخسارة المحتملة والالتزامات غير المحددة فإذا تم تحصيل الدين أو أداء الالتزام أو كان مبلغ المخصص أكبر ممايجب، فإن المخصص يعاد كليا أو جزئيا إلى حساب الأرباح والخسائر.
فالمخصصات المعلقة بالأصول الثابتة لاتحسم من الموجودات الزكوية، حيث أن الموجودات الثابتة نفسها لم تدخل في الوعاء الزكوي.
لاتخصم من الزكاة المخصصات المتعلقة بالأصول المتداولة على اعتبار أن حساب الزكاة يكون بالقيمة السوقية.
مخصص إطفاء مصاريف ما قبل التشغيل، فلا يحسم من الموجودات الزكاة.
لايحسم من الموجودات الزكوية مخصص الهبوط في قيمة الاستثمارات في الاسهم المشتراة بقصد النما.
لايحسم من الموجودات الزكوية مخصص البضاعة الهالكة او التالفة أو البطيئة الحركة.
لايحسم من الموجودات الزكوية مخصص أسعارالبضائع و أسعار الأوراق المالية لمراعاة الهبوط الحاصل فعلا.
الاحتياطات: المبالغ المستقطعة من الأرباح إما بموجب القانون( الاحتياط القانون) أو بناء على نظم المؤسسة، فالاحتياطات بنوعيها القانوني والاختياري لاتحسم من الموجودات الزكوية لأنها لاتعد شرعا من قبيل الديون على المؤسسة، وإن كانت تذكر في المطلوبات، فتزكى لكونها مملوكة للمرسسة وذلك ضمن الموجودات الزكوية في حالة تطبيق طريقة " صافي الموجودات"
لايحسم من الموجودات الزكوية: حساب رأس المال وعلاوة الإصدار، احتياط إعادة التقويم( الاحتياطات الرأسمالية)، الاحتياط الإيرادي، احتياط الأرباح الناتجة عن عمليات أسهم المؤسسة المشتراة ( أسهم خزينة المؤسسة)، احتياطي الأرباح المقترح توزيعها، احتياطي الأرباح المستقاة.
ما يحتم ابتداء إعادة الاعتبار للتدقيق الشرعي، لأن التدقيق التقليدي لايفي بالغرض، ولايعطي صورة صادقة عن وضعية المركز المالي للمؤسسات من منظور شرعي.
العلاقة بين الزكاة والضريبة.. الرأس لايكون ذنبا
قبل الدخول في الإشكالات التي لاخاتمة لها، ينبغي أن يكون القانون صريحا في آلية تحصيل الزكاة، وكذا جباية الضريبة، و صريحا في فض قواعد الاشتباك بينهما، فالدولة لها تجارب مريرة مع بعض المؤسسات التي يراها البعض واجهة ضرارية( منطقة نواذيبو الحرة) حيث يرى البعض أنها تغولت على حساب البلديات والجهات والوزارت وحين تمخض الجبل لم يلد فأرا.
مما يوجب صراحة القانون في تحديد مجال كل من الضريبة والزكاة، والأفضل النص صراحة على أقدمية الزكاة وكونها مهيمنة على الجباية الضريبية، من جهة وتحديد آلية واضحة لصرف المبالغ المتأيتة من الزكاة وتسويرها بأشد عوامل الحيطة والحذر.
جهة الوصاية على هيئة الزكاة
تطرح وصاية الشؤون الإسلامية على هيئة الزكاة إشكالية كبرى، خاصة عند استحضار طريقة تعامل الوزارة مع موظفين يديرون مؤسسات تابعة لها يقال إنهم فصلوا دون مراعاة لسند من القانون المنظم لمؤسساتهم وكذا لطبيعة موظفي هذا القطاع وربما لمحدودية الأطر فيه، ولحاجة المؤسسة لكفاءات إدارية وخبرات ترفدها وتجعلها أكثر فاعلية.
وللعلم فقد حاول البنك الاسلامي للتنمية في العشرية الماضية أن يسند جامعة العيون بأوقاف، لكنه تفاجأ من عدم وجود قانون للأوقاف في موريتانيا، فاضطرت الدولة حينها أن تكتب ضمانا باسمها تلتزم فيه بالمحافظة على تلك الأوقاف.
فربما تكون الصلة الأنسب لها رئاسة الجمهورية، مع وجود محافظ لهذه الهيئة يقود هيئة مخولة بالصرف مكونة من محافظ البنك المركزي ومدير الميزانية ووزير الثروة الحيوانية والزراعية وزير الصيدووزراء الخدمات ووزير المالية، وممثلون عن أرباب العمل والمجتمع الأهلي، وهيئة شرعية مستفلة.
مع تطبيق معايير الجدارة و النزاهية، وتحديد احتياجاتها من العمال بأسس علمية وبإشراف وتأطير من أهل الخبرة والنزاهية في تأسيس فريد يجعلها فوق الشبهات والشهوات والنزوات.
متى ترى هيئة الزكاة النور؟
يقول بعض العارفين بكواليس الوزارة، أن الإصدار النهائي للقانون المنظم للهيئة بات جاهزا، ولذلك فالوزارة بصدد تنظيم ورشات تحسيسية في الداخل عن أهمية الزكاة ودورها الاقتصادي والاجتماعي، وأن هذه الورشات ستنطلق في القريب العاجل، وبعدها سيحال القانون لمجلس الوزراء ثم البرلمان، ثم تصدر المراسيم المنظمة له.
وحتى تضع تلك الإجراءات المتسلسلة أوزارها يبقى الأكيد أن هيئة الزكاة أخذت من الوقت والجهد على الورق مالم تكن بحاجة إليه من المأمورية التي بدأت رحالها تشد وعاريتها ترد، والفقيرالمسكين ينتظر أن ينال أكثر من النقير والقطمير والمقير من حقه في مال الله حتى يرفل في بحبوة النعمة وهو رابط الجأش رافع للأمل، بعيدا عن فتات المرق الممزوج بالمن والأذى، "فيشرق الأمل في القلوب المعناة ويعلم اليتم أن له مأوى ويعلم السائل أن له رحمة ويعلم الساري في الظلمات أن درب النور قريب وأن رحمة الله قريب من المحسنين".