يواصل نشطاء مغاربة التفاعل مع حملة رقمية على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “نعم للعدالة اللغوية في المغرب ولا للفرنسة”، تدعو للقطيعة مع لغة المستعمر في مجال التعليم والإدارات والتداول العام، مشددين في أحد وسوم الحملة على أن “المغرب ليس مقاطعة فرنسية”.
الحملة التي انطلقت من خلال عريضة على موقع “تشينج” العالمي لتوقيع العرائض والإلتماسات، عرفت تفاعلا لافتا على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة من خلال الوسم الرسمي للحملة “#لا_للفرنسة”، والذي وصل للترند المغربي بموقع تويتر وسط زخم قوي في فيسبوك وانستغرام.
وتأتي الحملة في وقت تمر فيه العلاقات المغربية الفرنسية من مرحلة “برود كبير” منذ أزيد من سنتين، زاد جمودها اتهام جهات فرنسية للمغرب باستخدام برنامج “بيغاسوس” للتجسس على هواتف شخصيات فرنسية بارزة، ضمنهم الرئيس ماكرون، زد على ذلك إقدام فرنسا على خفض التأشيرات الممنوحة للمغاربة.
كما أن محللين اعتبروا أن المعني الأول بالخطاب الملكي الأخير في 20 غشت الجاري، كان هو فرنسا بسبب مواقفها الرمادية من ملف الصحراء المغربية، كما أن تراجع الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين البلدين منذ شهور يعزز هذا الطرح، حيث تعود آخر زيارة لمسؤول فرنسي للمغرب إلى نونبر 2021.
وتعيد هذه الحملة، إلى الواجهة مجددا، النقاش اللغوي بالمغرب وهيمنة الفرنسية على مختلف مناحي الحياة التعليمية والاقتصادية والإدارية بالمملكة، وسط تصاعد المطالب بضرورة وضع قطيعة مع هذه اللغة والعودة إلى اعتماد اللغات الوطنية (العربية والأمازيغية) وترسيخها في الواقع السياسي والإداري والتعليمي للبلد.
“مس بسيادة المملكة”
وتقول العريضة الإلكترونية إن فرنسة التعليم بالمغرب، والتي تستهدف الشرائح العمرية الصغيرة ومراحل أساسية جدا كالتعليم الإعدادي حيث فيها يتم التأسيس الحقيقي لبناء المنطق الرياضياتي والمنهج العلمي بشكل صريح لدى المتعلم، هو بمثابة الضربة القاضية التي حكمت على الجيل الحالي وأجيال قادمة بالفشل المحتوم”.
وبحسب العريضة التي اطلعت عليها جريدة “العمق”، فإن الأغلبية في المغرب لا تفهم الفرنسية، ومن يفهمها أغلبهم على قلًتهم لا يجيدون استخدامها أفضل من تعلم العلوم بلغتهم العربية.
ويضيف المصدر ذاته بالقول: “لا نجد مبررا واحدا لمن أجبر أبناءنا وبناتنا على التعلم عبر الفرنسية حصرا سوى العبث بمستقبل هذا الشعب وربطه قسرا بماض بئيس وبفكر فرانكفوني متسلط وعقيم”.
وأوضحت العريضة أن “المنهج الدراسي تأسس على مبدأ التربية على الاختيار، إذ هو مرتكز من مرتكزات الميثاق، فإذا به يجبر التلاميذ غير المتمكنين أصلا من هذه اللغة الدخيلة والغريبة على التعلم بها قسرا”.
ووفق الأرقام المعلنة، تتابع العريضة، فإن %80 من المغاربة غير متمكنين من الحد الأدنى من كفايات اللغة الفرنسية المسطرة، وأغلب النسبة المتبقية %20 بالكاد تمتلك الحد الأدنى فقط.
ويشدد أصحاب العريضة على أن التعليم في البلاد هو خدمة عامة تمول من مال الدولة أساسا، وهذا يتعارض مع توجه الفرنسة لأنه سن صريح لسياسة تمييز يصبح فيه التعليم فئويا.
واعتبر المصدر ذاته أن ذلك ينتج عنه أن الوصول لمراتب متقدمة من التعلم يسمح فيها بتعدد الاختيارات لفئة محدودة جدا من المتعلمين، “وهذا ضرب صريح لمبدأ المساواة الذي تقوم عليه المنظومة التعليمية ببلادنا”.
وفي هذا الصدد، أشارت العريضة إلى أنه بعد عقود طويلة من إجبار الطلبة المغاربة على تلقي مختلف العلوم باللغة الفرنسية، أصبح المغرب يتذيل قوائم تصنيف أنظمة التعليم حول العالم، ولا تجد أي جامعة من الجامعات المغربية ضمن قوائم الجامعات الأفضل، بل لا توجد ولا جامعة واحد ضمن أول ألف جامعة.
وتابعت: “فلا يمكننا بعد الآن أن ندس رؤوسنا في الرمال كالنعام ونفرض التدريس بلغة لا يجيدها إلا فئة قليلة جدا من المتمدرسين، وتصور أن هذا التدمير للتعليم هو إصلا بكثير من التجبر والتعالي”.
وحتى رغم مرور سنوات على تنزيل هذا الورش، وفق ذات المصدر، “فإن أغلبهم إن لم يكن جميع الأساتذة والمعلمين يقرون بصعوبة الأمر، وأن الجميع يلجأ للترجمة إن بشكل كلي او جزئي من أجل تحقيق هدف الدرس، مما يتسبب في هدر الكثير من الوقت والجهد في ذلك دون الوصول للمبتغى”.
ورغم العديد من المبادرات التي قامت بها هيئات ومؤسسات، بل وأفراد مغاربة لإيجاد حل لهذه الكارثة، لا نرى أي إستجابة بل يتم الإستمرار بالمضي نحو الكارثة التعليمية وترسيخ التخلف العلمي والدولة تتصرف وكأن لا شيء يحدث أو كأن المس باللغة الرسمية ليس مسا خطيرا وصريحا بسيادة البلاد نفسها، تقول العريضة.
“جريمة حضارية”
وضمن نفس الحملة، يرى أصحاب العريضة أن فرض الفرنسية على المغاربة هي جريمة حرب متكاملة الأركان ولابد من إزالتها فورا، مشددين على أن القانون الإطار 51.17 الذي استصدرته الحكومة المنتهية ولايتها سنة 2019، يتضمن مسارا خطيرا بمستقبل التعليم في المغرب ويتسبب في استمرار النزيف الذي أحدثته الفرنسة للتعليم العالي المغربي منذ عقود ولازال مستمرا.
ووفق العريضة، فقد تسبب هذا القانون الإطار في “فتح الباب للهيمنة الفرنسية على التعليم والقضاء على التعددية اللغوية بالصيغة التي يتضمنها. وعليه يجب على مختلف الهيئات والمؤسسات ان تعمل فورا على الدفع نحو تعديل هذا القانون لسد الثغرة التي أحدثها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.
وتضيف أن اعتماد الفرنسية كلغة تعليم وتلقين للتلاميذ يتضمن عدم احترام توجهات الوطن وقيمه ودستوره ولغته، خاصة أن الإصرار على إستخدام الفرنسية في الإدارات العمومية، بما فيها قطاع التعليم، يشمل “ضربا للهوية المغربية وترسيخا لفكرة التبعية لفرنسا، وهذا يمس بشكل مباشر وخطير سيادة واستقلال البلاد”.
وأشارت إلى أن “هذا الورش الفاشل الذي اعتمد فرض الفرنسية في المسالك العلمية قد تسبب للكثير من التلاميذ المتفوقين في الرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها في فقدانهم الثقة في أنفسهم ودفعهم ذلك لعدم الاهتمام بمواد دراسية كانوا يحبونها، وهذا مؤشر خطير”.
واعتبرت أن “سكوت جمعيات أمهات و آباء التلاميذ وعدم اهتمامها بهذا المشكل الكبير، وكأن الأمر لا يهم أبناءهم ومستقبل بلادهم، لايفسر سوى بالانهزام النفسي الخطير للمغاربة عموما أمام لغة السيد المستعمر ومخلفات الإحتلال الفرنسي”.
كما أن “إصرار مسؤولين وشخصيات ومؤسسات رسمية على إستخدام الفرنسية أثناء تواصلهم مع المواطنين المغاربة، يعتبر إهانة للنصوص القانونية والرسمية المؤكدة رسمية اللغة العربية”، وفق ذات المصدر.
وشددت على أن “اللوبي الفرنسي المدعوم أجنبيا والمسند من المنظمة الدولية للناطقين بالفرنسية، يعمل على التسريع من وثيرة الفرنسة وتعميمها على مختلف المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وفي مختلف مناحي حياة المغاربة بما يجعل البلاد كانها مقاطعة فرنسية، يعتبر مسا خطيرا بهوية البلاد وتهديدا حقيقيا للأمن التربوي واللغوي والمجتمعي للمغاربة، واستهزاء بقيمهم وتوافقاتهم المجتمعية والدستورية”.
وترى العريضة أن الإدارات الرسمية والمؤسسات العمومية والشبه عمومية والمؤسسات الخاصة التي تقدم خدمات مباشرة للمواطنين المغارب وتصر على إستخدام الفرنسية، “تعبر عن عدم إحترام للغة المغاربة ونهجها يتناقض كليا مع روح الدستور المغربي”.
وطالبت العريضة، “الدولة المغربية بكافة مؤسساتها، بالعمل بشكل جاد على إلغاء الفرنسية من المراسلات والوثائق الإدارية وتحويل كافة تعاملاتها مع المواطنين للعربية في جميع القطاعات دون استثناء، وعليها تحمل مسؤولياتها في ذلك”.
وأشارت إلى أنه مع تعلم اللغات وتحسين ظروف تدريسها في حصصها المخصصة لها لأجل تمكين التلاميذ والطلبة من التواصل مع محيطهم الخارجي، لكنها ضد للتدريس بالفرنسية واستخدامها في المؤسسات الرسمية”، داعية إلى “التدريس بالعربية اللغة الرسمية والأولى في المملكة والتي تعبر عن المشترك اللغوي بين مختلف مكونات شرائح البلاد”.
"العمق المغربي"