(1)
تخيلوا حجم الكارثة لو أن العاصمة نواكشوط شهدت تهاطل أمطار في موسم من مواسم الخريف، وتخيلوا أن تلك الأمطار وصلت إلى 50 أو 60 أو 70 ملم ...أليس من المحتمل تهاطل أمطار بهذا المستوى؟
أو تخيلوا أن العاصمة شهدت في أحد الأسابيع تهاطل أمطار لمرتين أو لثلاث، وأن مجموع ما تم تسجيله في ذلك الأسبوع وصل إلى 80 أو 90 أو 100 ملم..أليس ذلك الاحتمال واردا؟
من مقال تحت عنوان : "الصرف الصحي أولا" تم نشره قبل تسع سنوات تقريبا من الآن، وتحديدا في 4 سبتمبر 2013.
وجاء في نفس المقال المذكور تذكيرا بخبر نشرته الوكالة الموريتانية للأنباء في يوم 05 ـ 02 ـ 2010 ، أي قبل 12 سنة من الآن، وهذا نصه : "احتضن مقر وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية ظهر اليوم الجمعة التوقيع على اتفاقية تتولى بموجبها الشركة الصينية "جزوبا كروب انترناشيونال كوبوريشن " المتخصصة في الأشغال تنفيذ المرحلة الأولى من مخطط الصرف الصحي لمدينة نواكشوط ..... وسيتم تنفيذ المرحلة الأولى من المخطط الممولة في إطار التعاون بين بلادنا وجمهورية الصين الشعبية بغلاف مالي قدره 199 مليون دولار عن طريق الشركة المذكورة على مستوى أربع مقاطعات من العاصمة (تفرغ زينه، لكصر، الميناء والسبخه ) بعد أن تم اختيارها وفقا لحاجة الملحة لخدمات الصرف الصحي.... . نشير إلى أن أشغال المشروع التي ستنطلق خلال السنة الجارية تمتد على مدى ثلاث سنوات ونصف."
فأين هي شركة "جزوبا كروب انترناشيونال كوبوريشن "؟ وأين هو الصرف الصحي في تفرغ زينه ولكصر والميناء والسبخه ؟
(2)
لقد قررت في صبيحة هذا اليوم أن أتخذ قرارا شجاعا وجريئا..
حقا إنه لقرار جريء وشجاع..
أتدرون ما هو هذا القرار الشجاع والجريء؟
لقد قررت بمحض إرادتي، ودون إكراه من أي جهة خارجية، أن أذهب إلى قلب العاصمة مع العلم بأن لا أملك زورقا، ولم أتدرب من قبل على السباحة.
أثناء اتخاذ هذا القرار الشجاع والجريء تمنيتُ لو أن الحكومة بدورها اتخذت مثلي قرارات شجاعة وجريئة ما دامت عاجزة تماما عن إنشاء شبكة للصرف الصحي بالعاصمة.
أتدرون ما هي القرارات الشجاعة والجريئة التي تمنيتُ لو أن الحكومة اتخذتها في مثل هذه الأيام؟
تمنيت لو أن الحكومة قررت أن تؤسس ـ وعلى وجه الاستعجال ـ معهدا لتدريب المواطنين القاطنين في العاصمة على السباحة وعلى عبور البرك والمستنقعات.
وتمنيتُ أيضا لو أن الحكومة استوردت عشرات الزوارق من جمهورية إيران، وأنها أسست بتلك الزوارق "الشركة العامة للنقل البحري بين ولايات ومقاطعات العاصمة".
وتمنيت لو أن الرئاسة أعلنت عن مرسوم يقضي بإنشاء وزارة خاصة بالصيد والسباحة في المياه العكرة.
وتمنيتُ لو أن وزارة السباحة في المياه العكرة، أو وزارة السياحة إذا شئتم، قررت أن تستفيد من خصوصية عاصمتنا الفريدة من نوعها، فهي ربما تكون العاصمة الوحيدة في هذا العالم التي لا تمتلك شبكة للصرف الصحي، فلماذا لا نستفيد سياحيا من هذا التميز ومن هذه الخصوصية؟ ولماذا لا نقوم بدعاية كبرى لعاصمتنا الفريدة من نوعها فيأتينا كل من أراد أن يتعرف ميدانيا على عاصمة بلا صرف صحي في العام 2015.
من مقال : "أمنيات مشاكسة" منشور في يوم 23 أغسطس 2015.
(3)
بعد أيام معدودة سينسى الجميع أن عاصمتنا بلا صرف صحي، ستنسى الحكومة مشكلة الصرف الصحي، وستنساه الأحزاب، وستختفي كلمة "صرف صحي" من الصحف ومن المواقع الوطنية، وستختفي كذلك من صفحات وحسابات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
ستختفي الكلمة تماما، ولن تظهر لا في التوجيهات النيرة لسيادة الرئيس، ولا في بيانات الأحزاب، ولا في خواطر وتدوينات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، ولا حتى في أحاديث الناس العابرة.
ستختفي مشكلة الصرف الصحي، وكأنها قد حُلت تماما، ولن يذكركم بهذه المشكلة التي تتجدد مع كل عام أي مذكر. لن تذكركم بها إلا الأضرار التي ستتسبب فيها الأمطار التي ستتهاطل خلال موسم الخريف القادم.
من مقال : "وداعا الصرف الصحي" تم نشره يوم 24 سبتمبر 2013.
(4)
مع كل موسم خريف يتجدد الحديث عن غياب صرف صحي في العاصمة نواكشوط، وربما تكون العاصمة نواكشوط هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد بها صرف صحي.. فإلى متى ستستمر هذه الكارثة؟ ألم يحن الوقت للتفكير في حل جذري ونهائي لمشكلة الصرف الصحي في العاصمة نواكشوط؟
لا أدري إلى أين وصل هذا الملف، ولا أدري لماذا تأخر رغم تكرر الحديث خلال السنوات الماضية عن البدء في تشييد صرف صحي في العاصمة نواكشوط وبكلفة كبيرة جدا. كل ما أستطيع قوله هنا هو أن ملف الصرف الصحي في العاصمة نواكشوط لم يعد قابلا للتأجيل، ولم يعد من المقبول أن يتم التعامل معه بحلول ترقيعية أو مؤقتة.
من مقال : " هناك ملفات لا تقبل غير الحلول النهائية" منشور بتاريخ 5 سبتمبر 2020.
ختاما : هذه فقرات مختارة من مقالات مختارة من بين ما يقارب 20 مقالا نشرتها في العقد الأخير عن غياب الصرف الصحي عن العاصمة نواكشوط . ليس لدي ما أضيفه الآن سوى أن أعيد عنوان المقال الأخير : " هناك ملفات لا تقبل غير الحلول النهائية". فإما أن نبدأ بتشييد صرف صحي في العاصمة نواكشوط وبشكل فوري، وإما أن نفكر في تشييد عاصمة بديلة.
حفظ الله موريتانيا...