تثير قضية لكويره في السنوات الخمس الأخيرة لغطا وجدلا متزايدا لدى الصحافة والمدونين في المغرب وموريتانيا، فالمغرب يعتقد أنها جزء من الأقاليم الصحراوية التي يدعي السيطرة عليها، والموريتانيون من جانبهم يرون "لكويره" منطقة منزوعة السيطرة في انتظار تقرير الوضع النهائي للإقليم الصحراوي، وازداد الجدل سخونة بعد إحكام المغرب سيطرتها على معبر الكركرات، والشريط العازل مع الحدود الموريتانية، وما أعلنت عنه الصحافة المغربية مؤخرا من مناورات عسكرية قرب منطقة لكويره الاستراتيجية، التي توجد بها حامية عسكرية موريتانية من المنطقة العسكرية الأولى منذ السبعينيات، وذلك بعد انسحاب القوات الموريتانية سنة 1981 من ولاية تيرس الغربية، في إطار اتفاقية الجزائر مع جبهة البوليساريو، حيث احتفظت موريتانيا بهذا الجيب الاستراتيجي، بتفاهم شفوي مع الجانبين الصحراوي والمغربي.
وأعادت تدوينة الوزير والسياسي السابق سيدي محمد ولد محم حول ضرورة التصدي لأي محاولة مغربية للاستيلاء على لكويره مما دفع بالقضية مجددا إلى بؤرة الأحداث، ومحط اهتمام الرأي العام ومشاركة في النقاش من الأهمية بمكان أن نؤكد على جملة من الأمور التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار:
- أعطت اتفاقية مدريد لموريتانيا السيادة على وادي الذهب، أو ولاية تيرس الغربية التي تبلغ مساحتها 80 ألف كم مربع، التي ضمتها موريتانيا سنة 1976، وبناء عليه باشرت موريتانيا سيادتها على الولاية من خلال فتح إدارات حكومية، و مدارس وتعيين ممثلين للسلطة الموريتانية في الولاية.
- بعد العام 1978، وقعت موريتانيا اتفاقية الجزائر، التي خرجت بموجبها من جميع الأراضي التي اسلمتها بموجب اتفاقية مدريد، بما فيها طبعا منطقة " لكويره" الأكثر توغلا في الرأس الأبيض والموازية لمدينة نواذيبو من جهة الغرب والمتحكم فيها استراتيجيا، نظرا لامتدادها على المحيط الأطلسي بشاطئ يقارب ال40 كلم.
- في سنة 1981 ، وبموجب الاتفاقية السابقة، سحبت الحكومة الموريتانية، القوات العسكرية وممثلي الإدارة الإقليمية من ولاية تيرس الغربية، وتركت حامية عسكرية في منطقة لكويره " البرزخ"، وبقي هذا الجيب مهجورا من السكان، بدون إدارة موريتانية، ولا مغربية.
- في سنة 2016، وسط توتر مع المغرب، رفعت موريتانيا العلم الموريتاني على منطقة " لكويره "، فحلقت مقاتلات عسكرية مغربية من طراز " أف 15 " على الفور فوق الجيب والحامية الموريتانية، التي تتبع المنطقة العسكرية الأولى في موريتانيا، طبقا لمصادرصحفية، وزار وفد عسكري مغربي موريتانيا، وتم احتواء الموقف.
- بحسب الصحافة المغربية قام المغرب مؤخرا بعملية عسكرية للسيطرة على الشريط العازل من شرق الكركرات، وجنوبا حتى " خط أسبانيا " الذي يشكل الحدود الموريتانية، وغربا حتى المحيط الأطلسي قريبا جدا من " لكويره"،أو " بئر الذيب" حسب الاسم الموريتاني، قبل التسمية الأسبانية :Guera ، وكان المغرب قد أعلن بعد طرد عناصر البوليساريو من منطقة الكركرات،عن اعتزامه بناء ميناء ضخم في منطقة لكويره.ودأب التلفزيون المغربي الرسمي على ذكر منطقة الكويره في نشرات الطقس المسائية.
- ما كتبه الوزير الموريتاني السابق، ورئيس الحزب الحاكم سابقا، سيدي محمد ول محم، من أن موريتانيا يجب أن تتصدى للمغرب ،إذا كان يريد دخول منطقة الكويره، وتخوض معه مواجهة عسكرية غير منطقي لأن موريتانيا لا يمكن أن تدافع عن منطقة لاتتبع لها بموجب الانسحاب من اتفاقية مدريد طبقا لقرار الانسحاب المنصوص في اتفاقية الجزائر 1979،فمنطقة لكويره تقع خارج حدود موريتانيا، والوجود الموريتاني فيها وجود مؤقت بموجب تفاهم قيل إنه " شفهي" بوساطة سعودية مع الملك الحسن الثاني، في انتظار حل النزاع، وليش مشرعا من " القانون الدولي، بل مجرد تفاهمات لاغير "، النزاع الذي تشير كثير من المؤشرات،أنه لا يسير في طريق الحل التقليدي المفترض، بل يعزز المغرب قبضته على المناطق الحيوية والغنية اقتصاديا بالمعادن والأسماك ،أو ما يشكل أكثر من 80% من مساحة أقليم الساقية الحمراء، ووادي الذهب،أو الصحراء الغربية، مستفيدا من علاقاته الدولية المتشعبة، والخبرة الدولية المتراكمة القائمة على اللعب في المسارح الدولية لما يقرب من أربعة قرون خلت.
- تعاني موريتانيا من أزمات اقتصادية بنيوية، وموجات غلاء، وفي ذات الوقت تطمح للاستفادة من تصديرالشركات لعاملة في موريتانيا للغاز تجاه أوربا، ومن جهة أخرى تريد الاستفادة من العلاقة ألاستراتيجيه الجديدة مع حلف " الناتو"،وجلب الاستثمارات، وليس الدخول في حروب خاسرة،عن قطعة أرض إستراتيجية، لكنها خارج الحدود.
ولديها مايشغلها في حدودها الشرقية من حروب قائمة بشكل دائم بسبب فشل الدولة المالية، وتشتت جيشها الذي يفترض فيه حماية حوزتها الترابية، ولهذه الحرب مخرجات مستمرة تتمثل في وجود مليشيات على حدودموريتانيا تمارس في بعض الأحيان السلب والنهب، وقد نتج عن عدم الاستقرار هذا تدفق اللاجئين من حين لآخر، فضلا عن أزمة الهجرة السرية القادمة من افريقيا وما تتتطلبه من يقظة وصرامة.
و فضلا عن ذلك فالمغرب جار كبير وقوة اقتصادية صاعدة يصل ناتجها الداخلي الخام 120 مليار دولار، وهو في الحالة العادية يمثل العمق الاستراتيجي و التاريخي لهذه البلاد، إذا وقعت الواقعة، وهو رابع قوة عسكرية في إفريقيا،بعد كل من مصر و وجنوب فريقيا والجزائر، وما يخدم موريتانيا هو السلام والتنمية، فالجغرافيا نادرا ما تتمرد على التاريخ.
وفي الوقت الذي لوح فيه المغرب منذ العام الماضي 2021 ببناء ميناء عملاقا في " لكويره " الاستراتيجيه، تعثرت موريتانيا في إقامة ميناء نواذيبو التجاري العملاق،الذي أعلنت عنه في العام 2018.