في مواجهة الكوارث..هل استطاعت الحكومة رفع التحدي؟

إذا كانت السنوات الثلاث المنصرمة من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني سنوات تهدئة سياسية، فإنها أيضا كانت سنوات اختبار وتحد في التعاطي مع متغيرات فرضت كثيرا من الانحناء للعاصفة، وأعادت ترتيب أولويات النظام.

وإذا كانت السلطة ضمن مسار عالمي قد استطاعت كبح جماح وباء "كوفيد"، فإنها تواجه اليوم متغيرات مناخية بالغة التأثير، تهدد العاصمة ومدنا أخرى بالغرق وإضاعة جهود كبيرة من عمر الدولة، وربما من أرواح وممتلكات الشعب.

ماذا يعني إدارة الطوارئ

تؤكد أغلب التعريفات الإدارية لمفهوم إدارة الطوارئ والكوارث مجموعة القواعد التي تشمل التحضير لحالات الكوارث قبل وقوعها، والاستجابة الفعالة للكوارث (على سبيل المثال، الإخلاء في حالات الطوارئ، والحجر الصحي، وإزالة التلوث الشامل، وما إلى ذلك)، ودعم، وإعادة بناء المجتمع بعد الكوارث البشرية أو الطبيعية التي وقعت"

وإذا كانت المخاطر التي تعرضت لها البلاد خلال السنوات المنصرمة مخاطر نسبية مقارنة مع كوارث أخرى وطوارئ عاشتها بلدان جوار، فإن المخاوف لا تزال ماثلة دون شك.

كوفيد ..الاختبار الصحي والتنموي للبلاد

رافقت محنة كوفيد نظام الرئيس ولد الشيخ الغزواني وبعد أشهر قليلة من تنصيبه وصل الفيروس إلى البلاد ليحصد في موجاته المتتالية 933 قتيلا، ضمن أكثر من 62 ألف إصابة وصلت المستشفيات ناهيك عن الحالات التي لم تسجل بشكل رسمي.

وقد وصل الفيروس إلى البلاد في ظل نظام صحي ضعيف لأقصى درجة جعل البلاد تفقد الدرجة الأولى من سلم مواجهة المخاطر وهي : الاستعداد – التصدي – التخفيف – التعافي)،ولحسن الحظ فإن كوفيد قضى على جزء كبير من القواعد الحاكمة للمنظومة الصحية في البلاد، مما جعل العالم على مسافة واحدة في مواجهة الجائحة، وما تفرضه من التزامات وإعادة هيكلة للبنية الصحية.

وقد واجهت الحكومة أزمة كوفيد بنفس الإجراءات  العالمية مع تفاوت في القدرات حيث شملت إجراءات المواجهة.

-           الإغلاق وحظر التجول

-           عزل المصابين

-           التلقيح

-           إجراءات اقتصادية متعددة.

ويمكن القول إن البلاد حققت مكاسب متعددة من التعاطي مع أزمة كوفيد من بينها على سبيل المثال:

-           رفد المنظومة الصحية ببعض الوسائل والقدرات الطبية واللوجستية الضرورية.

-           رفع مستوى الجاهزية لدى القطاع الصحي

-           إقامة مؤسسة للطوارئ والمستعجلات الصحية.

-           الحصول على دعم متعدد الجوانب من كثير من الدول الشقيقة والصديقة.

-           تلقيح أكبر نسبة من الموريتانيين ضد الوباء الخطير.

وإلى جانب هذه المكاسب فقد أثيرت إشكالات كثيرة حول التعاطي مع كوفيد من بينها على سبيل المثال:

-           ضعف الرعاية الصحية التي تعرض لها نزلاء الحجز الخاص.

-           عدم وجود أية آلية للرقابة والتأكد من جودة الخدمة الصحية الموجهة للمحجوزين.

-           شكوك في تسيير المبالغ المالية الهائلة التي رصدت لصندوق كوروتا.

-           حديث عن فواتير مضخمة ومصاريف غير ضرورية وفساد كبير في تسيير الموارد المالية للتصدي للجائحة.

السيول ..الخطر الداهم

تعيش موريتانيا بين الحين والآخر ظرفية صعبة بسبب السيول، وخلال السنوات الثلاث المنصرمة تعرضت عدة مدن موريتانيا لسيول جارفة منها على سبيل المثال:

-           سيول مدينة سيلبابي

-           سيول مدينة روصو

-           سيول في مدينة نواذيبو

-           سيول في كيهيدي

-           سيول في انبيكه

وتظهر كل هذه السيول حجم الخطر الذي يتهدد المدن الكبرى في البلاد نظرا لاختلالات منها:

-           الموقع غير الاستراتيجي والذي يتأسس غالبا في مناطق مثل الوديان ومجاري السيول المعروفة، و تحت مستوى سطح البحر..

-           غياب أي صرف صحي في مختلف مدن الداخل باستثناء شبكة صغيرة في مدينة روصو.

-           ضعف شديد في البنية التحية وانتشار الفقر الشديد في الداخل.

-           غياب أي استيراتيجية وطنية للاستفادة من الأمطار والحد من كوارثها.

وقد أدت السيول الأخيرة خلال الشهرين المنصرمين إلى وفاة أكثر من 30 شخصا، وتشريد الآلاف وإتلاف ممتلكات متعددة بقيمة تناهز مئات الملايين من الأوقية

وتظهر مخاطر الأمطار في مجالات متعددة أبرزها:

-           غياب السدود الكبيرة وذات القدرة الاستيعابية

-           مخاطر انهيار سدود أخرى، من أبرزها سد سكليل، التي بدأت تظهر فتحات وتشققات في جوانبه ويمثل ثاني سد في البلاد بعد سد فم لكليته.

-           رفد نهر السنغال بموارد مائية كبيرة قد تؤدي إلى فيضانات راجعة على المدن والقرى المجاورة له.

-           ضعف قدرة وسائل الإنقاذ سواء تعلق الأمر بالوسائل أو الأفراد، رغم بعض التطور الملحوظ الذي شهدتها مندوبية الحماية المدنية وتسيير المخاطر

نواكشوط ..مدينة تحت رحمة الأمواج.

تصنف نواكشوط ضمن المدن المهددة بالغرق، وتذهب بعض التقديرات المفرطة إلى أن المحيط قد يبتلع أجزاء كبيرة من العاصمة في حدود 2023، وسبق للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز خلال قمة في كوبنهانغ أن طالب العالم بالمساعدة في إنقاذ عاصمة بلاده من الغرق.

ورغم أن الحديث عن غرق نواكشوط لم يعد حديثا محليا بل أصبح شأنا عالميا يتردد صداه كل حين وفي كل منتدى عالمي عن تأثير المحيطات على اليابسة فإن التعاطي الرسمي مع هذه الوضعية الخطيرة ما زال دون مستوى الاستعداد.

ووفق تقديرات رسمية فإن نواكشوط مهددة بحوالي 22 فتحة قبالة المحيط الأطلسي تسهم بشكل دائم في تسرب المياه إلى اليابسة مما يضفي مع الزمن تآكلا شديدا وانتشارا للملوحة في التربة وتسربا هائلا للمياه إلى مناطق حساسة من العاصمة.

ومن بين تلك الفتحات الاثنتين والعشرين استطاعت الحكومة سد واحدة لا أكثر خلال السنوات الثلاث المنصرمة.

وتعتبر مناطق السبخة – والميناء – الرياض- أجزاء من تفرغ زينة – دار النعيم) مناطق رخوة ومهددة أكثر من غيرها بالغرق، نظرا لتآكل التربة هنالك، وعدم قدرتها على امتصاص مياه الأمطار.

وسبق للأمطار ومياه البحر المتسربة أن أرغمت الحكومة على ترحيل مئات الأسر من حي ملح القديم في مقاطعة الميناء لتنقلهم إلى المنطقة المعروفة حاليا بملح في مقاطعة توجنين

الصرف الصحي ..مليارات في مصب السيول

تمتعت نواكشوط القديمة بشبكة جيدة للصرف الصحي استفادت منها الأحياء القديمة في العاصمة ومقاطعة السبخة، وكانت منطقة الحدائق هي التجمع الأساسي للصرف الصحي، حيث نشأت على ضفافها حدائق من النخيل ومشاتل الخضروات.

ومع سنوات الجفاف الطويلة، اختفت قصة الصرف الصحي، قبل أن تستيقظ العاصمة على موسم غرق خلال العام 2011، لتبدأ من جديد رحلة البحث عن الصرف الصحي.

وخلال السنوات العشر المنصرمة صرفت موريتانيا قرابة 20 مليار أوقية ضمن اتفاقيات وأنشطة قطاعية مختلفة.

ودون أن تتحقق لحد الآن أي من نتائج الصرف الصحي فإن خطر غرق العاصمة بات أكبر من ذي قبل وخصوصا في المناطق الهامشية والرخوة والأقل حظا من التنمية.

وأمام السلطات الرسمية في البلاد عدة اختبارات أبرزها:

-           إعادة تأهيل مقاطعة دار النعيم وترحيل الأحياء المتضررة منها إلى مناطق جديدة

-           ترحيل أحياء متضررة في مقاطعة السبخة.

-           توسيع الصرف الصحي واختيار محطات تجميع وتوزيع مناسبة.

-           إعادة الترميم الميكانيكي للشاطئ بعد سنوات من الإتلاف والتدمير البشري والصناعي

وإلى جانب هذه المخاطر الآنية تواجه الحكومة أيضا مخاطر الأمراض الناتجة عن الأمطار ومن بينها الحمى القلاعية وحمى الوادي المتصدع وهي من الأمراض القاتلة،فضلا عن التهديد الذي باتت تمثله الملاريا كأحد الأمراض المتوطنة والتي تحصد كل عام مئات الضحايا، مما يعني أن القطاع الصحي البشري والبيطري سيكون أمام تحد جديد لإثبات قدرتها على التصدي لهذا الوباء الذي يأتي في ظرف تتوالي فيه موجات المطر الدفاق.

وتظهر مختلف الطوارئ التي تعرضت لها البلاد خلال السنوات المنصرمة ضعفا شديدا في:

-           الاستعداد: بدء بضعف أو انعدام التوقع والتخطيط للمواجهة، إضافة إلى ضعف وسائل الاستعداد التي تتضاءل بشكل.

-           ضعف المواجهة: والتي ما زالت محصورة في بعض إجراءات بعدية مع ضعف شديد في الإجراءات الاحترازية

-           استغلال الطوارئ وحالات الكوارث في الحصول على المساعدات الدولية والدعم الإنساني مما يعني مستوى من المتاجرة بالمآسي المتعددة.

وتظهر هذه الإخفاقات المتعددة استحالة إقلاع التنمية، وصعوبة تحقيق التوازنات الاقتصادية، ما دمنا على موعد سنوي مع متغيرات تفرض على الدولة صرف ميزانيات جديدة، وإعادة تحوير خططها التنموية باستمرار.