بات من شبه المؤكد أن القوى السياسية المعارضة في موريتانيا قد قطعت مرحلة أخرى، وحاسمة في مسار الانقسام والصدام، وذلك بعد أن اختارت عدة أحزاب معارضة الانسجام مع الاتفاق الذي آلت إليه المشاورات الموسعة بين القوى السياسية ووزير الداخلية ومستشاريه، وقد أفرز هذا الحوار الذي يأتي على أنقاض التشاور الموسع الذي قاده قبل فترة وزير الزراعة،-الأمين العام للرئاسة سابقا- المهندس يحيى ولد أحمد الوقف، عدة محاور توافقية منها على سبيل المثال:
- النسبية في الإنتخابات البلدية والجهوية.
- النسبية في الانتخابات التشريعية.
- اللائحة الوطنية.
- إعادة تقطيع نواكشوط إلى ثلاث دوائر انتخابية.
- الآجال الانتخابية.
- الإحصاء الإداري ذى الطابع الانتخابي.
- اللجنة المستقلة للانتخابات.
- الحالة المدنية.
- الموافقة المبدئية على المساهمة في تمويل جزء من الحملات الانتخابية.
التكتل وقوى التقدم.. استعادة التهدئة
- وفر حوار الداخلية الأخير ومخرجاته السياسية لحزبي تكتل القوى الديمقراطية واتحاد قوى التقدم وحزب إيناد استعادة العلاقة الإيجابية التي طبعت علاقتهما مع النظام منذ بداية حكمه قبل أن تتوتر خلال السنة المنصرمة، بسبب تعثر الحوار، وبالوصول إلى هذه التوافقات يجد الحزبان فرصة لإعادة ترتيب تموقعهما الانتخابي بعد سنوات من التراجع الجماهيري، حيث يتوقع أن يديرا تحالفات سياسية جديدة تمكنهما من تحصيل مكاسب انتخابية وخصوصا في دوائر الثقل التقليدية للحزبين في نواكشوط والترارزة وبعض مناطق الضفة والداخل.
- استرضاء ولد بلخير.. وتفكيك الجبهة العرقية:
بعودة السياسي مسعود ولد بلخير ومشاركته في الحوار، يكون النظام قد استطاع إذابة الجليد الذي حال بين العلاقة الإيجابية بين الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني ومسعود ولد بلخير طيلة السنتين المنصرمتين.
وتحقق عودة ولد بلخير إلى الحوار بعد تمنعه عن المشاركة في الحوار الذي قاده ولد الوقف عدة مكاسب سياسية للنظام ولولد بلخير على حد سواء وذلك على النحو التالي:
- ترتيب العلاقة مع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ونظامه السياسي: وهو ما يضمن لولد بلخير تحقيق عدد من مآربه الشخصية والحزبية التي ماطله النظام في تحقيقها خلال سنتيه الأوليين في السلطة.
- تفكيك الجبهة العرقية: التي التأمت على مقاطعة الحوار السياسي وضمت أحزاب التحالف والمستقبل وتيار بيرام ولد أعبيدي، وكانت العنصر الأساسي الذي أدى إلى توقيف الحوار الذي قاده وزير الزراعة يحيى ولد أحمد الوقف بعد أن كاد يتحول إلى حوار شريحة واحدة بعد الانسحابات المذكورة.
- تفرد مسعود بالساحة السياسية لمجتمع الحراطين: خصوصا أنه سيكون أبرز قوة سياسية محسوبة على هذه الشريحة خلال الانتخابات البلدية والنيابية في ظل تصاعد التوتر بين رئيس حركة إيرا بيرام ولد أعبيدي ونظام ولد الشيخ الغزواني، مما يجعل تقوية صف وحضور مسعود ولد بلخير سبيلا مؤثرا للحد من حضور وجماهيرية ولد اعبيد.
تواصل ..
يمثل حزب تواصل أحد أهم أطراف المعارضة، ويواجه هو الآخر الانتخابات القادمة بمزيد من التوتر في العلاقة مع النظام، حيث يمكن اعتباره
- أبرز منافس للنظام في العاصمة نواكشوط وبعض المدن الكبرى
- يملك حيوية سياسية وإعلامية يمكن أن تؤثر في قناعات بعض الناخبين.
- يعيش حالة تأزم وتوتر في العلاقة مع النظام منذ وصوله إلى السلطة.
لكن حزب تواصل أيضا الذي يعتبر أن مخرجات حوار الداخلية تسعى إلى تحجيم حضوره النيابي حيث يعتبر أنه المتضرر الأول من تراجع النسبية في عدد من مناطق البلاد، مثل سيلبابي والطينطان وألاك من جهة، ومن جهة ثانية اعتماد النظام على إحصاء 2013 في توزيع الدوائر الانتخابية.
إلا أن الحزب يواجه الانتخابات أيضا بظروف معقدة أبرزها:
- حالة من التأزم والصراع السياسي اللافت والذي يظهر بين الحين والآخر عبر تصريحات متضاربة ومواقف متعارضة لقادة التيار، رغم أن بعض العارفين بالحزب يضعونها في خانة تعدد الآراء لا أكثر، ويجزمون أن تواصل سيكون أقوى في الانتخابات القادمة أكثر مما كان.
- فقدان ظهير سياسي ومالي قوي تنتمي بعض مراكزه إلى دوائر قوية من المحيط السياسي والاجتماعي الداعم لنظام ولد الشيخ الغزواني، فالتقاطع الحاصل بين تواصل والنظام في الحاضنة الاجتماعية للنظام المتعاطفة مع تواصل غير مسبوق في تاريخ الأنظمة الموريتانية المتعاقبة.
- تباين وجهات النظر بين عدد من قادته وجماهيره حول قضايا سياسية ومجتمعية مؤثرة في المشهد الانتخابي، ووجود عدد من قادته التاريخيين في موقف سياسي أقرب إلى النظام، في مقابل مواقف نقيضة وحدية لبعض من قيادة الحزب الحالية.
ورغم ذلك فإن الحزب يراهن على جماهيره واتساعها المتواصل وفق تعبير عدد من نشطائه، وعلى نتائج حملة انتسابه، مؤكدين أنه سيعزز المكاسب وربما سيحقق مفاجأة المشهد الانتخابي.
حركة إيرا والنظام.. من الصداقة إلى الصدام
انتقل رئيس حركة إيرا بيرام ولد اعبيدي من العلاقة الإيجابية والدفاع عن نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني محليا ودوليا إلى التهديد بالصدام وتأليب الجماهير على النظام الذي كان يصفه بالصديق الذي كان يبحث عنه.
وبلغت حدة التوتر بين الطرفين أقصى مداها خلال الأسابيع الماضية، لتصل إلى قمتها خلال اليومين المنصرمين، حينما باشرت الشرطة اعتقال نشطاء من إيرا وصعد ولد اعبيدي من هجومه على النظام متوعدا بصراع أقوى من صراعه مع ولد عبد العزيز وفق تعبيره.
ويرى مراقبون للمشهد أن النظام استطاع تحجيم دور وحضور بيرام خلال السنوات المنصرمة من خلال:
- الحصول على دعم ودعاية سياسية مباشرة من بيرام لصالح النظام، وهو ما أغضب جناحا داخل حركة إيرا ودفع بها إلى مزيد من التشظي.
- استقطاب عدد من قيادات حركة إيرا من خلال التشغيل في وكالة تآزر أو عبر بعض الأطر الاجتماعية والسياسية التقليدية.
- ترخيص جمعية حقوقية باسم مبادرة الانعتاق إيرا: وهو ما اعتبره البعض فخا وقع فيه بيرام، حيث بدأ ممارسة الأنشطة السياسية من خلال منظمة حقوقية، ليجد نفسه في مصادمة مع القوانين المنظمة لعمل المؤسسات الحقوقية، وفي مصادمة مع وزارة الداخلية التي منعت استغلال اسم حزب الرك غير المرخص في أنشطة بيرام.
- التغاضي عن النشاط السياسي والحملات الدعائية لبيرام، مما يمثل استنزافا لخطابه وتأثيره.
- ضعف وغياب قاعدة قيادية لبيرام في الداخل، وتركيز النظام على مناطق التهميش وآدوابة من خلال أنشطة مندوبية تآزر التي تمثل الذراع الاجتماعية للنظام.
لكن بيرام ما زال يملك ورقة قوة انتخابية، تتعلق بالترشح من خلال حزب من الأحزاب الصغيرة وسيمثل هذا الخيار حلا للطرفين حيث:
- يضمن لبيرام وقيادي حركته فرصة للوصول مجددا إلى البرلمان عبر بوابة حزبية معترف بها.
- يمكن أيضا قادة الحزب المجهري من الحصول على مكاسب سياسية من خلال التحالف بين "الشرعية والشعبية" والتي كانت حلما مستحيلا لو اعتمد الحزب الصغير على قاعدته الانتخابية التقليدية.
وبين هذه التيارات المتعددة، والصراعات السياسية يبقى النظام في مواجهة منافسين مؤثرين في الساحة السياسية، خصوصا أ ن له بعض الإخفاقات التنموية المتعددة، إضافة لاستمرار غلاء الأسعار ورفع أسعار الوقود، فهذه العناصر مجتمعة تمثل أوراقا سياسية مهمة بيد المعارضة، التي يزداد تأثيرها بظهير سياسي فعال وهو نشطاء التواصل الاجتماعي، فهل ستتمكن المعارضة من إدارة حملتا الانتخابية بجدارة وفعالىة.