تابعتُ كغيري من المهتمين بالشأن العام مسار التشاور الذي أطلقته وزارة الداخلية
واللامركزية مع الأحزاب السياسية، تابعت هذا التشاور عند انطلاقه، وفي كل محطاته، إلى أن تم اختتامه بحفل للتوقيع على الوثيقة التي تضمنت نتائجه.
ومن هذه المتابعة خرجت بجملة من الملاحظات السريعة لعل من أهمها:
الملاحظة الأولى: أنه كانت هناك احترافية كبيرة في إدارة هذا التشاور، وتنعكس تلك
الاحترافية في النقاط التالية :
1 ـ أن كل الأحزاب السياسية المعترف بها شاركت في هذا الحوار، ووقعت على نتائجه باستثناء حزب واحد؛
2 ـ أن الفترة الزمنية التي قضاها التشاور من التحضير إلى التوقيع على النتائج لم تكن فترة طويلة، بل كانت قصيرة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تعقيدات الحوارات السياسية، وأن هذا التشاور قد تم تنظيمه في موسم خريف شهد الكثير من الأضرار، وكانت وزارة الداخلية منشغلة بتسيير الطوارئ.. لقد انطلق التشاور في يوم 12 يوليو 2022، وتم الاحتفال بتوقيع نتائجه مساء الاثنين 26 سبتمبر 2022.
3 ـ مع كل اجتماع جديد في وزارة الداخلية كان يتم التوصل إلى نتائج مرحلية، وذلك من قبل الوصول إلى النتائج النهائية، وهو ما يعني أن الاجتماعات في وزارة الداخلية كان يحضر لها بشكل جيد.
الملاحظة الثانية : أن هذا التشاور أكد من جديد أن هناك رغبة حقيقية لدى فخامة رئيس الجمهورية في التهدئة السياسية، وفي مشاركة كل الطيف السياسي في المسار الانتخابي بدءا بالتحضير وانتهاءً بالاقتراع، كما أكد كذلك أن الخبرة التي يمتلكها معالي وزير الداخلية في التعامل مع الأحزاب السياسية، وفي تنظيم الانتخابات (انتخابات 2007 التي تعتبر الأكثر مصداقية في تاريخ الانتخابات في بلدنا)، كانت حاضرة في كل محطات هذا التشاور. كما أكد مسار هذا التشاور جدية الأحزاب السياسية المشاركة فيه، وسعيها الجاد للتوصل إلى نتائج تحسن من مستوى الاستحقاقات القادمة؛
الملاحظة الثالثة : وبهذه الملاحظة سأبدأ في استعراض أهم نتائج التشاور، والتي كان من أهمها ما تحقق لصالح جالياتنا في الخارج. لنذكر في هذا المجال أنه قد تحقق لجاليتنا في الخارج ـ من قبل هذا التشاور ـ أهم مطلب كانت تطالب به في الماضي، ألا وهو المطلب المتعلق بازدواجية الجنسية. أما أهم ما تحقق للجاليات من خلال التشاور فهو أن الترشح للمقاعد البرلمانية المخصصة للجاليات أصبح خاصا بأفراد الجاليات، عكس ما كان يحدث سابقا، وأن أفراد الجاليات هم من سيصوتون حصرا على المترشحين من خلال اقتراع مباشر يتم تنظيمه في دوائرهم الانتخابية.
الملاحظة الرابعة: من النتائج الهامة التي تحققت لصالح الشباب وذوي الاحتياجات الخاصة استحداث لائحة وطنية من 11 مقعدا خاصة بالشباب مع وجوب التناوب بين الجنسين، وتتضمن مقعدين على الأقل لذوي الاحتياجات الخاصة؛
الملاحظة الخامسة : من النتائج الهامة كذلك حزمة الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها، والتي ظلت الأحزاب السياسية تُطالب بها خلال السنوات والعقود الماضية، والتي من المؤكد بأنها ستحسن من المسار الانتخابي. أتحدث هنا عن : تمويل الانتخابات ـ الآجال الانتخابية ـ تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات ـ إعادة تقطيع مدينة نواكشوط ـ تنظيم إحصاء إداري ذي طبيعة انتخابية ـ اتخاذ إجراءات ردعية ضد شراء الذمم ـ منع التأثير على أصوات العمال والموظفين ـ تعديل القانون الخاص بتعارض الوظائف ــ إلزام النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية عند مخالفة القوانين المنظمة للانتخابات ـ تفعيل المرصد الوطني لمراقبة الانتخابات ومنحه صلاحيات أوسع ...إلخ
بكلمة واحدة
لقد كان تشاور وزارة الداخلية مع الأحزاب السياسية ناجحا، وتوصل إلى نتائج هامة جدا، وهذا مما يزيد من مستوى التفاؤل على أن الاستحقاقات القادمة ستكون أكثر مصداقية مما سبقها من استحقاقات انتخابية