من حين لآخر تقوم بعض النخب المتغربة بمظاهرات ترفع فيها بعض المطالب مثل: لا تلمس جنسيتي، وحراك ترسيم اللهجات الوطنية ..، ورغم أن الدولة في مراحل مختلفة عن قصد أو غير قصد رسخت قيادة النخب المتفرنسة لمختلف الشرائح الوطنية وفي مقدمها المكون الزنجي، وذلك من خلال حصر التعيينات على تلك النخب، وفي المقابل عدم منح عناية موازية للأطر المتصالحة مع قيم البلد وهويته الحضارية وهو خطأ يجب تصحيحه.
ورغم وجود كثير من الأطر في هذه المجموعة لهم غيرة ومحبة لدين البلد ولغته، منهم على سبيل المثال لا الحصر القاضي: أحمد يور كيده، والشيخ العالم والشاعر بون عمر لي، والوزراء: صو آدم صمبا وزير العدل السابق، رئيس محكمة الحسابات سابقا، والوزير صو أبو دمبا النائب في البرلمان الموريتاني، ووزير الخارجية الأسبق، وغيرهم كثير..
فإن الزعم بوجود إجماع على المطالبة بترسيم اللهجات المحلية يظل محل شك خاصة مع الخطوات الايجابية التي حملها القانون التوجيهي لصالح اللهجات الوطنية للإعتبارات التالية:
أقر القانون تدريس اللهجات الوطنية لغير المتحدثين بها، وتدريس متحدثيها بها.
تأكيد القانون التوجيهي أنه ريثما تكون اللهجات الوطنية جاهزة لتدرس بها المواد العلمية في المرحلة الابتدائية، تكون اللغة العربية هي لغة تدريس العلوم في هذه الفترة، مما يدل على أن اللهجات الوطنية هي مستقبل تدريس المواد العلمية في المرحلة الإبتدائية لمن هي لغته الأم.
كما ألزم القانون التوجيهي السلطة بترقية هذه اللهجات من خلال اعتماد مؤسسة خاصة بذلك.
وفي السياق ذاته ألزم القانون كل طفل ناطق بالعربية -كلغة أم- أن يتعلم على الأقل إحدى اللهجات الثلاث الأخرى (البولارية، والسوننكية، والولفية)، على أن يتم اختيار ها من السياق الاجتماعي والديمغرافي الجهوي.
وفي المقابل ومن أجل البحث عن إطار جامع أقر القانون -بكل أسف- تدريس اللغة الفرنسية ابتداء من السنة الثانية من المرحلة الابتدائية، مع إمكانية تدريس بعض المواد العلمية بها.
وفي المقابل يتساءل البعض عن الايجابيات التي حملها القانون الجديد على مستوى ترسيم اللغة العربية الفصحى والتي لا تعدو حصر تدريس المواد العلمية بها في المرحلة الابتدائية.
وبالتالي فلم التظاهر ضد القانون التوجيهي الجديد، وأين هؤلاء من المكاسب التي سجلتها اللهجات والتي بشر بها القانون الجديد ؟!!.
ألا يحمل الرأي القائل بأن هذه التظاهرات انتهازية سياسية أو حملة استباقية ضد الإزاحة الخجولة الظنية للغة الفرنسية من المرحلة الابتدائية، والتي ماكان ينبغي لها أن تدخلها أبدا، ألايحمل الكثير من الوجاهة بالنظر إلى الطابع الانتقائي واختيار التوقيت لإطلاق مثل هذه الدعوات ذات الطابع الشرائحي والاستفزازي.
ولا يتورع البعض في أن يقرأ فيها نوعا من قطع الطريق أمام التمكين للغة العربية مهما كان تقدمها ضعيفا وخجولا مقارنة بمكاسب اللهجات الوطنية، ولهؤلاء الحق أن يثيروا جملة من التساؤلات وفي السياق نفسه:
- هل تجد في اللغة الفرنسية تعزيزا لموقعها وبشكل قوي حتى يعلم الجميع أنها جزء من الصراع الداخلي ومحاولة اعتبارها جزء من الصراع الشرائحي والقومي الوطني.
- أم أن تلك التظاهرات محاولة للتأكيد على أن أي يتقدم على مستوى تلبية مطالب النخب الشرائحية هوجزء صغير من مطالب لا نهاية لها مهما كان المنجز كبيرا وبالغ الأهمية؟
إن من حق أي مواطن التظاهر، ومن حقه المطالبة بكل مالايخالف الدستور والقانون، لكن ليس من حقه أن يفرض على الأكثرية متتالية من المطالب اللا متناهية، أو أن يلزمها بتدريس أبنائها بلغة المستعمر، في مخالفة للمنطق وللدستور، فذلك ما ينبغي أن يرفضه الجميع وأن يقف له بالمرصاد.