يبدو أن مفهوم الصحوة الإسلامية يحتاج إلى وقفة تأمل وهذا ما تسبب فى الوقوف فى وجهها أيام ظهورها من بعض المتدينين ومنهم من وصفها بالمذهب الخامس أو الدين الجديد كما يسميها العامة، والحقيقة عكس ذلك، فهي في معناها اللفظي مرحلة من الخروج من سبات الأمة كما تقول فلان صحا من نومه أو الجو صحو تقول الأمة أيضا صحت من نومها، واصطلاحا هي نموذج من التدين الواعي بعد فترة من الانقطاع عن الأصول (الكتاب والسنة وغلق باب الاجتهاد) فانتشرت البدع وحصل تراجع فى دور مدارس تربية النفوس وتزكيتها مما سبب فجوة كبيرة بين السلطان والقرآن، فكانت فترة مظلمة تسببت فى تراجع فى الدور الثقافي وتخلف فى المجال الاجتماعي والاقتصادي والصناعي، وطغيان العادات على مقاصد الإسلام وروحه مما مهد لسطو المستعمر على الأمة فكانت فترة انهزامية بامتياز أو مرحلة غثائية كما يسميها أهل الأثر انطلاقا من حديث )ولكنكم غثاء كغثاء السيل) وبعد العمل على الخروج من هذه الفترة ظهرت طلائع الصحوة فى الأمة، وفي بلدنا خاصة وفى وسط السبعينات تقريبا وكان أبرز حدث عرفته هنا هي زيارة الشيخ الغزالى صاحب كتاب معركة المصحف وكتاب الإستبداد السياسي... إلخ شكلت تلك الزيارة حدثا مهما للصحوة الوليدة فى بلدنا وواجهت ثلاث جبهات:
- الجبهة الأولى: هي الجبهة الخارجية التى ترى فى الدين من حيث المبدإ تهديدا لمصالحها ومعتقدها وحتى كيانها، مما جعلها تنتج الجبهة الثانية لتقوم بالدور عنها.
- الجبهة الثانية: الدولة الحديثة بشكلها غير المعروف لدى الأمة والذي يبدو في تطبيقاته لأهدافه غير منسجم مع أهداف الصحوة حيث تربطه اتفاقيات ومعاهدات مع الجبهة الأولى وهي المعاهدات والإتفاقيات التي تخالف الإسلام نفسه وتفرط فى مقدساته، الشيء الذي يجعل خصمه البارز هو الصحوة الواعية موضع خواطرنا هذه وليست الجبهة الثالثة أقل خصومة من سابقها مع شيء من الفروق تكبر أو تصغر حسب أجزائها وهي:
- الجبهة الثالة: المجتمع العميق ويستحق المجتمع العميق وقفة مطولة ومركزة معه، وذلك لأن الناس عرفوا دولة عميقة لكنهم لم يعرف مجتمعا عميقا والقاسم المشترك بينهما هو أن الدولة العميقة لها خطوط حمراء لا يستطيع المجتمع تجاوزها وعندنا المجتمع العميق هو الذى يأخذ هذا الدور فتجده حدد خطوط حمراء للدولة ذاتها لا تستطيع تجاوزها وقد حمى أبناءه منها أيام مواجهتها مع اليسارين بما فيها غلاتهم حتى ولو اتهموا بالالحاد وحمى أولاده ممن اتهموا ببيع المخدرات وها هو يحميهم من تهم الفساد رغم إعلان الدولة عن عمليات كبيرة من ذلك النوع ولأول مرة في العالم نجد مخالفة بدون مخالف، ويملك المجتمع العميق نفس القوة أمام الأحزاب والحركات فتم تعديل جل الأهداف التى جاء بها اليسار استرضاء له، وقد جاؤا يرفعون شعار الانحياز للمواطنين الضعفاء الكادحين من أجل العيش، وصاروا جزءا لا يتجزء منه ونفس الحالة حدثت مع القومين عربا كانوا أو زنوجا والآن جاء دور الصحوة الإسلامية من التبليغين مرورا بالسلفيين إلى الإخوان، وقد حققوا نجاحا والحمد لله فى المجال الثقافي والتربوي والعلمي وعادت المحظرة والحمد لله لمكانتها وعادوا فى الصدارة فى المجال السياسي تحكما فى هدوء الشارع أو غليانه، فما هو الحال فى المجال الاجتماعي وهو خط بل من أبرز الخطوط الحمراء عند المجتمع العميق؟
هنا نجد أنه من نافلة القول أن أصحاب المظالم سيكونون أول المساندين للصحوة بل المنخرطين فيها، فهي لحل مظالمهم أتت أو تكاد، وبعدالة الإسلام بشرت تعكس ذلك لوحة أتباع الأنبياء على مر التاريخ وجاء القرآن يروي لنا ذلك قال الله فى شأن قوم نوح {قالوا أنومن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون} وقد تكرر نفس المشهد مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع زيد وبلال وخباب وسمية وآل ياسر عموما، ومن تمعن هذه اللوحة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يدرك أن الأمر لا علاقة له بلون ولا عرق ولا حرفة بل بفقدان المركز الاجتماعي وهو القاسم المشترك بينهم، وهو الذى يجعل من فقده عرضة لكل غبن أو ظلم بشكل عام ويمنع صاحبه من أي اعتداء مهما كانت مخالفه وهذا ما منع أصحاب شعيب من الاعتداء عليه فقالوا له {ولولا رهطك لرجمناك} وكذلك لم يكن بمقدور عتاة قريش أن يصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعمه أبو طالب بين ظرانيهم،
فالمتربعون على هرم المجتمع الحاصدون لثروته المعنوية والمادية من الطبيعي أن يحرسوا تركبته بالشكل الذي يضمن لهم بقاء ما كان على ما كان عليه، وبالتالي خيارات الصحوة ستكون محصورة فى التمسك بمبادئها مهما كانت قوة دفاع المجتمع العميق عن خطوطه الحمراء أو الرهان على صدق خطابه ونبل أهدافها وشرف خلفياتها، الشيء الذي يضمن الحفاظ على نصاعة صورتها أو تقوم بإجراء تعديلات على مبادئها لكي لا تقترب من خطوط المجتمع العميق على أمل أن يتولى الزمن أو نمط عيش فى المدينة حل تلك المشاكل بالنيابة عنها.