في 6 أيلول/ سبتمبر الفائت، حلّت خريجة أوكسفورد رئيسةً لحكومة بريطانيا العظمى، وسط عاصفة من المشكلات الاقتصادية والتحديات المتنوعة التي خلَّفها بوريس جونسون (تبيعات لبريكست) وألقت بها تيارات الحرب الروسية الأوكرانية المختلفة، كانت الآمال والتوقعات المعلقة على تراس تحتاج إلى معجزة تشبه إلى حد كبير المرأة الحديدية التي تستطيع وضع بريطانيا في مكانها الصحيح، لهذا لقَّبها الإعلام الغربي "منقذة بريطانيا"؛ تاتشر، وهي أيقونة تاريخية لدى المحافظين سحقت النقابات من أجل تطبيق سياساتها الليبرالية، وفازت بحرب فوكلاند عام 1982 ضد الأرجنتين، كما فازت في 3 انتخابات تشريعية.
لذا كانت الآمال كبيرة على ليز تراس من أجل أن تقدّم نتائج عملية "علاجية" لبلد يعاني تهديدَ أزمات سياسية واقتصادية، ولحزبها "المحافظين" الذي يخشى هو الآخر من تبعات مشكلات فترة جونسون وفضائحه، بدأت ليز تراس خطتها بإعلان سلسلة من القرارات والخطط "المفاجئة" المرتبطة بسياساتها الداخلية والخارجية، والتي أدّت إلى موجة اعتراضات شعبية وسياسية رسمية واسعة، حتى ضمن أعضاء حزب المحافظين نفسه.
ظلّت تراس ماضية في إيمانها المطلق بفكرة تحقيق مزيد من النمو للاقتصاد البريطاني، وبضرورة هذا النمو لرفع مستوى المعيشة والرواتب وتخفيض الديون وجذب الاستثمارات وإنقاذ الاقتصاد من الركود، ولكن هذا النمو يحمل معه دائمًا مخاطر مختلفة، كما يقول بعض المختصين، أبرزها مزيد من التضخم؛ ما سيفاقم مشكلات الناس.
وكما هو متوقع، تفاقمت المشكلات بدرجة أكبر مع إحجام تراس وكوارتنج وزير المالية السابق، عن تقديم تفاصيل بشأن كيفية التعويض عن أموال الضرائب التي ستفقد؛ ما أدخل أسواق البلاد المالية في دوامة من التكهنات والمخاوف أدّت إلى تسجيل الجنيه انهيارًا تاريخيًّا مقابل الدولار الأمريكي.
وفي ظل انهيار الجنيه الإسترليني أمام الدولار وتفاقم الركود الاقتصادي، وسط التباين في الآراء داخل حزب المحافظين، قامت تراس بمحاولة أخيرة لتهدئة الوضع، إذ أقالت وزير الخزانة كواسي كوارتينغ بعد 40 يومًا فقط من تعيينه، ثم ألغت بنود برنامجها الاقتصادي المثير للجدل لتعمل على تأخير التخفيض المخطط للمعدل الأساسي لضريبة الدخل من أجل تعزيز الثقة وطمأنة الأسواق، وأقرّت تراس بأن الميزانية المصغرة التي أعلنتها حكومتها الشهر الفائت وقعت بخطوات أسرع وتيرة وأبعد مدى من المتوقع.
كل تلك الجهود لم تقنع الشارع البريطاني ولم تنل ثقة السياسيين بأنها فعلًا خطوات اقتصادية صحيحة في اتجاه حل الأزمة الراهنة، بل زادت حدة الانتقادات وتشكلت الأزمة السياسية السابقة من جديد لتطل تراس هذا الصباح من المبنى رقم 10 معلنةً عن الاستقالة وبقائها في المنصب حتى اختيار القائد المناسب لحزب المحافظين.
لتعود بريطانيا إلى المربع الأول، حيث العودة لدعوات بانتخابات مبكرة وسط حديث عن اختيار قائد آخر من بين الشخصيات السياسية الأبرز في حزب المحافظين، جاءت أبرز الأسماء لهذا المنصب كالتالي: وزير الخزينة السابق ريشي سوناك الذي حذر تراس خلال السباق الانتخابي من أن خططها لتخفيض الضرائب ستدفع الاقتصاد إلى الانهيار، متهماً إياها بـ "اقتصاديات القصص الخيالية". بني موردونت، وهي زعيمة مجلس العموم وصاحبة المركز الثالث في سباق زعامة حزب المحافظين الصيف الماضي. بن والاسي، الذي يشغل منصب وزير الدفاع، ويحظى باحترام كبير في الأوساط السياسية البريطانية، ظل محايدًا في سباق قيادة حزب المحافظين قبل أن يدعم في النهاية ليز تراس. رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون: أثار التكهنات بشأن عودته المستقبلية للواجهة السياسية في خطاب الوداع، عندما قارن جونسون نفسه برجل الدولة الروماني سينسيناتوس، الذي حارب الغزو قبل أن يعود إلى مزرعته. وفقًا للتقاليد، عاد سينسيناتوس لاحقًا ليخدم فترة ولاية ثانية.
يقال إن بعض نواب حزب المحافظين يقترحون علنًا أن يطلب الحزب من جونسون العودة إلى داونينج ستريت.
إضافة إلى شخصيات أخرى منها وزير العدل الحالي ووزيرة الداخلية السابقة وصاحبة المركز الرابع في سباق زعامة الحزب كمي بدانوش.
وأعتقد أن الشخصية الأكثر حظًّا لتولي رئاسة الوزراء هو سوناك، لكونه صاحب المركز الأول في اقتراع حزب المحافظين، لهذا قد يكون هو من سيخرج إلينا من المبنى رقم 10، أما فرضية إجراء انتخابات عامة داخل بريطانيا فهي مستبعدة، من جهة لأنها تستلزم أن يطلب رئيس الوزراء من الملك حل الحكومة، كما لا يمكن لحزب العمال أن يفرض انتخابات عامة أيضًا، لكنه يستطيع تقديم اقتراح برلماني بحجب الثقة عن الحكومة، إذا تم تمريره، فالانتخابات ستكون أمرًا مرجحًا.