في السنة الدراسية 1985، 1986م انضمَّ أخونا د. علي محيي الدين القرداغي إلى أسرة كلية الشريعة في جامعة قطر.
وكنت قد تعرفت عليه في القاهرة في إحدى إجازاتي الصيفية، حين كان يحضر أطروحته للدكتوراه في كلية الشريعة بجامعة الأزهر في الفقه المقارن. وكان يقيم هو وأسرته في مدينة نصر، حيث أسكن أنا وأسرتي.
وقد سُررت بمعرفته، حين وجدته حافظًا للقرآن الكريم، كما وجدته على صلة جيدة بتراثنا الفقهي، ولا سيما فقه الشافعية. ومن المعروف أن إخواننا الأكراد في كل مكان لا يدينون إلا بمذهب الشافعي رضي الله عنه. ولهم في الأزهر رواق معروف باسمهم.
وقد درس العلوم الشرعية على أهلها من علماء الأكراد منذ نعومة أظفاره في منطقته كردستان في العراق، وأكمل الدراسة في بغداد. ثم أراد أن يتمِّم مشواره بالحصول على الدكتوراه من الأزهر، الذي ينتمي إليه أبناء العرب والمسلمين في المشارق والمغارب، وخصوصًا عرب المشرق.
فقه المعاملات المعاصرة:
وقد لحظت حين لقيته وتحدثت معه، اهتمامه بفقه المعاملات المعاصرة، ولا سيما فقه الشركات الذي كان يعدّ فيه رسالته، فقلت في نفسي: هذا مطلوب لكلية الشريعة في قطر، حيث نحتاج إلى التركيز على هذا الجانب من فقهنا الإسلامي، الذي لا يأخذ حقّه في كثير من جامعاتنا الدينية، مثل الأزهر، فقد كنا ندرس كتب الفقه القديمة كما ألفت في عصورها. ندرس فقه شركة العنان، وشركة المعاوضة، وشركة الوجوه، وغيرها من الشركات، ولا نعرف شيئًا عن الشركات المساهمة والتوصية، وشركات التأمين، وشركات المقاولات، وغيرها من أنواع الشركات الحديثة التي يتعامل معها الناس كل يوم.
وندرس كتاب «البيوع» وكتاب «الإجارة» وكتاب «الحوالة» وكل ما يتعلق بالمعاملات، في كل مذهب من كتبه المعتمدة للدراسة، وهي معزولة عن الحياة عزلًا تامًا، تشرح لنا الألفاظ، وتفهم المصطلحات، وتناقش التعريفات، وتحفظ الأحكام كما وردت. أما صلتها بالواقع فهي مبتوتة تمامًا. هكذا درست في الفقه الحنفي في المرحلة الابتدائية: «اللباب على الكتاب» أو «شرح الميداني على القدوري». وفي المرحلة الثانوية، درست: «الاختيار شرح المختار» لابن مودود الموصلي، وكنت أحصل على أعلى الدرجات، 40 من 40؛ ولكن لم أكن وقتها أفقه في المعاملات المعاصرة شيئًا، كما لا يفهم شيوخي الذين درَّسوا لي.
ولهذا يكون المدرس الذي فقه الكتب واتصل بواقع الحياة: مكسبًا كبيرًا، يجب أن نعض عليه بالنواجذ. وهو ما اقتنعت به حين تعرفت على القرداغي
السالوس والقرداغي والتوازن المنشود:
وقد سبق أن التحق بالكلية د. علي السالوس، وله عناية أيضًا بهذا الفقه. وبهذا يكون القرداغي إضافة إلى هذا المجال المهم، {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القصص: 35]، ولا سيما أن السالوس أميل إلى التشديد، والقرداغي أميل إلى التسهيل، فيتخفف حر ذاك ببرد هذا، وبذلك يتحقق التوازن المنشود.،