يرابط موسى جلو لساعات تحت الشمس الحارقة، وهو يحكم رجله على مرساة حديد مشدودة إلى الشاطئ بحبل غليظ، إنها وسيلة التثبيت الوحيدة المتاحة في شاطئ الصيادين لعشرات قوارب الصيد الراسية على الشاطئ..
يقول موسى وهو يشير إلى البحارة وهم يفرغون حمولة القارب من الأسماك لولا وجود هذه المراساة لن يتمكن القارب من الرسو، إنهم يزاولون مهامهم هناك وعلى بعد أمتار قليلة في عرض البحر بكل أمان وثقة، فيما أتولى أنا الأمر على اليابسة..
على الشاطئ أخذ الصيادون وباعة السمك مواقعهم فيما هرع عشرات الأطفال نحو القارب وهم يصارعون الموج حتى يتمكنوا من الظفر بحصة يسيرة من الأسماك.
أما الباعة والقول للبائع سيد أحمد فإن فرصتهم الوحيدة في شراء حمولة القارب وبسعر زهيد فيما يشبه المزاد العلني فالكل يقدم سعرا ويرسو المزاد على من يقدم سعرا أفضل، مضيفا أن حمولة المركب في أغلبها هي من أسماك الياي بوي التي يكثر عليها الطلب نظرا لغلاء الأصناف الأجود.
يؤكد الصيادون والباعة هنا إن مكاسبهم تحت رحمة البحر، وتقلبات الطقس، وبالتالي لا يمكن الرهان على أسعار ثابتة في مثل هذه الظروف.
يقول موسى جلو الذي عمل بحارا من قبل كيف إن مهنة ربط المرساة استهوته في السنوات الأخيرة فأصبح وحده من ينتدب لها من بين رفاقه من البحارة، مضيفا أن القارب الرابض كان قد انطلق أمس مع انبلاج البحر في رحلة صيد أوصلته إلى 95 كم في عرض البحر،وها هو يعود بعد أزيد من 24 ساعة من مقاساة البرد والأمواج ومخاطر سفن الصيد العملاقة التي يمكن أن تجرف شباك القارب وتعرض حياة البحارة للخطر.. لكن كسب لقمة العيش مر كما يقال.
يتحدث الستيني موسى جلو عن المخاطر المرتبطة بمهنته، فالمراساة ذات الكلاليب الحديدية الضخة تكون خطرا في حال تحرك القارب بفعل الأمواج أو الرياح، مما يتطلب اليقظة والانتباه طوال الوقت، والتأكد من المسافة المناسبة لتثبيت المرساة حتى لا تشد القارب أكثر إلى اليابسة ولا تتركه كالقشة بين الأمواج..ومع ذلك فالوضع أفضل بالنظر إلى عدد القوارب التي تحاول الوصول إلى الشاطئ.
كان أحد بحارة القارب يلوح لزميله جلو بأن يبتعد قليلا بالمرساة حتى يتمكن القارب من الاقتراب أكثر من الشاطئ، في الوقت الذي يجري فيه تفريغ الأسماك في صناديق البلاستيك لتحمل على الرؤوس العارية صوب الشاطئ، وتبدأ رحلتها نحو المستهلك...تلك الرحلة التي ما كان لها أن تتم لولا مرساة موسى جلو وغيره من رفقاء البحر يعلق أحد المارة.