وسط عشرات الأكياس المعبئة بالسمك والتي أفرغت لتوها من أحد قوارب الصيد يقف الخمسينى موسى ولد أبلال وهو يروج لبضاعته من الأسماك الطازجة، إنها غلته اليوم من حمولة القارب الرابض على مقربة من الشاطئ في انتظار تفريغ كامل الحمولة.. إنها اللحظة الفارقة التي انتظرها منذ ساعات الفجر الأولى.
في أرجاء المكان يتجول عشرات الباعة والبحارة وحتى العاطلين بحثا عن أي فرصة للتكسب، فيما تحافظ الأسعار على صمودها رغم أن البحر الهادئ لم يحرم أي طالب من خيراته في أي يوم..ولا طالب سمك محروم كما يقول الباعة هنا..
يتمنع موسى من الحديث عن الأسعار، ولا يحب الخوض في مكاسبه من تجارة السمك والتي ارتبط بها قبل ثلاثة عقود من الزمن لكن مسحة من الرضى تطل من محياه وهو يشير إلى العشرات من أكياس السمك المترامية في المكان..في الوقت الذي لا زال يحتفظ في يسراه بأوراق من فئة ألف أوقية ثمرة صفقة أتمها لتوه..
يتحدث باعة السمك عن ارتفاع تكلفة الخدمات المرتبطة بالبيع كالنقل والثلج وحتى اليد العاملة، مما يبرر رفع الأسعار على المستهلكين من وجهة نظرهم، لكن صمود الأسعار وجنوحها إلى الارتفاع يؤكد وجود نية مبيتة للاستغلال والمضاربة لدى هؤلاء..كما يؤكد رواد الشاطئ الذين جاؤوا للشراء بحثا عن فرص أفضل للشراء والحصول على منتج أجود كما يقول سيد محمد الجيد لموقع الفكر..مؤكدا أن لا وجه للمقارنة بين أسعار الشاطئ ونظيرتها في الأسواق وقد يصل الفارق إلى أزيد من 50% .
وسائل غريبة
"لكل ساقطة لاقطة" مثل يصدق هنا في شاطئ الصيادين حين يعزف بعض صغار الباعة عن الشراء مباشرة من القوارب وينتظرون فرصتهم في ما يجلبه البحارة معهم من أسماك يريدون بيعها بأي ثمن، وحتى متسولي الأطفال المنتشرين على الشاطئ الذين يجيدون اقتناص الفرص وسط الأمواج ويجدون ضالتهم في كل مرة يجنح فيها قارب للصيد فتتناثر حمولته لتكون غنيمة باردة لكل من هب ودب..
تنتظر بائعة السمك بصبر على مقربة من الشاطئ في انتظار أي فرصة للشراء، وهي تساوم في كل مرة أحد الصبية على ما معه من السمك، لكن السعر الباهظ على حد تعبيرها يقف عائقا أمام اكتمال الصفقة، فالأطفال يدركون أن السعر سيكون أفضل في سوق السمك القريب لكن ضيق الوسائل قد لا يمكنهم من الاحتفاظ بالأسماك طازجة لحين بيعها.
تقول فاطمة أنها جاءت من دار النعيم لشراء السمك من الشاطئ وبيعه بسوق السمك بالميناء مما يوفر لها ربحا لا بأس به، مما يساعدها في الصرف على أطفالها الخمس، لكن غلاء المعيشة وارتفاع كلفة النقل بعد الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات جعل عملها على شفا الكساد والإفلاس على حد قولها.
التاجر محمد محمود سليمان يؤكد على صعوبات العمل في تجارة الأسماك بسبب تقلبات السوق، وتغييرات حالة المحيط، وكلفة الخدمات المرتبطة بالعمل، وتظل أشهر الراحة البيولوجية الأصعب ومع ذلك فهناك المئات ممن يكسبون قوتهم من البحر، لذا يطالب السلطات بتسهيل مهامهم، وتوفير الخدمات الضرورية للبحارة، وحماية المنتج الوطني من هذه الثروة من النهب المنظم، وعمليات الصيد الجائر وفق تعبيره.
يقول الباعة إن كثيرين تركوا عملهم واتجهوا إلى مقاليع التنقيب عن الذهب بسبب تراجع المخزون السمكي في السنوات الأخيرة، لكن البعض ظل صامدا يكافح عاديات الزمن بما فيها تداعيات جائحة كورونا، وأبى أن يتخلى عن حرفة خبر أسرارها وتعرف على خفايا ردحا طويلا من الزمن.