أعلنت الرئاسة الفرنسية رسميًا انتهاء عملية برخان في منطقة الساحل، في خطوة تعتبر منعطفا تاريخيا في علاقة فرنسا بالمستعمرات القديمة.
وتأتي الخطوة استكمالا لسحب فرنسا قواتها من مالي، فاسحة المجال لقوة من مجموعة "فاغنر" الروسية المثيرة للجدل.
عداء متزايد..
وجاء قرار باريس تحت ضغط المجلس العسكري الحاكم في بامكو، حيث طالب فرنسا بسحب قواتها من البلاد .
خطوة تترجم مستوى تنامي مشاعر العداء تجاه فرنسا بالمنطقة، حيث خرجت مظاهرات متزامنة في عدة دول تطالب فرنسا بالانسحاب والاعتذار عن الماضي الاستعماري.
مسار جديد..
لكن فرنسا والتي خرجت مكلومة في كبريائها ومصدومة من تعرض مصالحها في المنطقة للخطر، تحاول العودة من النافذة بعد أن تم طردها من الباب.
فوفقا لما أعلنه الإليزيه، فإن مسارا جديدا سيطبع علاقات فرنسا بإفريقيا، مسار يقوم على الحد من الوجود العسكري في أفريقيا والتركيز بدل ذلك على التعاون والدعم بشكل أساسي من حيث المعدات والتدريب والاستخبارات.
الساحل..
حسب المتابعين فإن فرنسا لا يمكن أن تترك منطقة الساحل الغنية بمواردها الطبيعية المتنوعة- فالذهب المالي الذ يعزز سلطة النقد الفرنسي في الوقت الذي لا تملك مالي من أمرذهبها ولا من خراجه شيئا، واليورانيوم النيجيري، الذي يغذي محطات الطاقة الووية الفرنسية، مما أعطى لفرنسا كميات معتبرة من الكهرباء، ظلت تصدر منها زمن فائض طاقتها لآلمانيا، والوقود الغابوني- فريسة للأطماع الصينية والروسية، وخاصة بعد نشر قوة فاغنر في المنطقة.
فباريس الآن تبحث عن إجراء يضمن لها تلبية المطالب المتنامية بالانسحاب من المنطقة، وفي نفس الوقت تضمن نوعا من الوجود يمكنها من الاستمرار عبر عناوين وقنوات أخرى.
وهي تدرك أن ما حققته بالقوة العسكرية لا يمكن تحقيقه بالقوة الناعمة.
برخان.. أطول عملية خارجية
برخان هي قوة فرنسية عسكرية قوامها ثلاثة آلاف جندي، لمحاربة مايسمى ب "الإرهاب" في منطقة الساحل، بمعدات عسكرية ولوجستية متطورة.
بدأت برخان في 1 أغسطس 2014، وتعتبر أطول عملية عسكرية فرنسية في الخارج منذ نهاية الحرب على الجزائر في العام 1962.
حطت القوة الفرنسية الرحال في مالي، وتمركزت ثلاث قواعد عسكرية في الشمال حيث تنشط الجماعات التي تتسمى بالجهادية مستفيدة من أوضاع الإقليم الأمنية والسياسية.
تمركزت القاعدة الأساسية في مدينة غاو، وهي مزودة بمروحيات هجومية، ووحدات يطلق عليها اختصارا "جي تي دي" أو "مجموعات معارك الصحراء".
الوجود العسكري..
رغم انسحاب فرنسا من مالي ، فلا تزال باريس تمتلك حضورا عسكريا في إفريقيا .
فهناك حوالي 3 آلاف جندي فرنسي منتشرين في النيجر وتشاد وبوركينا فاسو.
أما في الغابون، فتوجد بها مفرزة تضم 350 عسكريا، وفي السنغال، ينتشر 350 جنديا فرنسيا في "أوكام" والميناء العسكري بداكار، مع توفر مدرج للطائرات.
وهناك مركز قيادة "مهمة سابر" قرب واغادوغو في بوركينا فاسو.
الأتراك.. النمر المفترس
إذا كانت روسيا قد حجزت لنفسها في غرب القارة من غينيا إلى مالي، فإن تركيا وطائراتها المسيرة قد سجلت أهدافا قوية في عش الدبابير الفرنسي، ومست من صدقية السلاح الفرنسي في العالم بشكل عام، وفي لبييا والبحر الأبيض المتوسط، حتى اكتفت فرنسا من الغنيمة بالإياب بعد أن تبخرت آمالها واختلت حسبتها في بر ليبيا وبحرها.
وهكذا وجدت فرنسا نفسها في بحر لجي من المشاكل متلاطمة الأمواج، متعدد الأوجه والمسارات، فمن انحسار الوجود العسكري إلى تراجع الثقة في اللغة الفرنسية بالجزائر، إلى الأزمات الاقتصادية والطاقوية، إلى أزمة الجفاف المستفحلة، كل ذلك في وقت فقد فيه اليور خمسه، فصارت فرنسا تضرب أخماس المشاكل بأسداسها، وتبكي على اطلالها وربما تلطم خدها في واحدة من أسوء الأزمات التي عرفتها الجمهورية الفرنسية، التي كانت لوقت قريب تحلم بقيادة أوربا الموحدة بمفردها.
وهكذا توالت المصائب والنكبات من الصديق والعدو، فقبل فترة من الآن الغت استراليا من جانب واحد صفقة لشراء كمية مهولة من السلاح الفرنسي بإيعاز من الولايات المتحدة، التي تسكت اليوم عن التنمر الروسي والصيني بفرنسا دون أن تحرك ساكنا.
تبدوا فرنسا المثقلة بالهموم وغلبة الدين وقهر الرجال، صفتها مشبهة بحال "عجـوز تمنـت أن تكـون فتيَّـة
وقد يبس الجنبان واحدودب الظهر
تروح إلى العطار تبغـي شبابهـا
" وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر"