النشاط التنصيري في العالم الإسلامي:
كان النشاط التنصيري في أوج قوته في السبعينيات من القرن العشرين، وقد عقد دعاة التنصير مؤتمرًا عالميًّا لهم في «لوزان» بسويسرا سنة 1974م بهدف تنصير العالم!
وفي سنة 1978م عقدوا مؤتمرًا في ولاية كلورادو في الولايات المتحدة بهدف أعلنوا عنه، وهو: تنصير المسلمين في العالم!! وكان هؤلاء المنصّرون من البروتستانت الأمريكيين.
وكأنَّ المسملين هم أول من يحتاج إلى الهداية التي يملكونها!! كنا نظن أنهم يتوجهون - أول ما يتوجهون - بجهود تنصيرهم إلى البلاد التي تعلن الإلحاد صراحة، ويقولون بصراحة وجلاء: إلا إله، والحياة مادة فحسب! ولا نؤمن بالله، ولا برسالات السماء، ولا بالآخرة، فهم أول من يحتاج إلى أن يوصلوا بالسماء، ويذكّروا بالله وبالحياة الباقية الأخرى ... فإن وقفت في طريقهم العقبات: اتجهوا إلى البلدان التي لم تصل إليها النبوات، وما تزال تعيش تحت سلطان الديانات البدائية، والوثنيات الهمجية.
فهؤلاء وأولئك كانوا أولى بالتبشير والتنصير من المسلمين: أتباع ملة إبراهيم، وأصحاب الديانة التوحيدية، التي تميّز توحيدها بالصفاء، فليس فيه تشبيه اليهود، ولا تثليث النصارى، فاليهود يشبِّهون الخالق بالمخلوق، والنصارى يشبِّهون المخلوق بالخالق. بل كان عليهم أن يبدؤوا بإعادة النصارى في الغرب إلى المسيحية، ولا سيما في أروبا التي لم يعد يذهب إلى الكنيسة منهم في يوم الأحد إلا خمسة في المائة (5%)!
المنصرون الأمريكان:
ولكننا فوجئنا بهذا التوجُّه الغربي من المبشِّرين الأمريكان خاصة لتنصير المسلمين في العالم.
والأمريكان مولعون بأن يكونوا هم «الأعلين» في العالم في كل شيء، بحيث تكون مأكولاتهم تغزوا العالم كله «بيتزا وماكدونالد وكنتاكي وغيرها»، وأن تكون مشروباتهم تغزوا العالم كله «كوكاكولا وبيبسي كولا وغيرهما»، وأن تكون أفلامهم تغزوا العالم، فلماذا لا يغزون بدينهم العالم كله أيضًا؟! مع أن دينهم في الحقيقة إنما جاءهم من أرضنا!
اجتمع مائة وخمسون من عُتاة المنصّرين البروتستانت من الأمريكان ومن يدور في فلكهم في كلورادو لتنصير المسلمين في العالم، وقدموا أربعين بحثًا أو دراسة عن الإسلام وأمته وكتابه ونبيه وتاريخه وحاضره ومستقبله، برؤية مسيحية تنصيرية ... وكيف يمكن التأثير في المسلمين؟ واقتلاعهم من دينهم؟ وإقناعهم بالنصرانية، وأنّ المسيح هو ابن الله المخلص للبشر من الذنب الذي ورثوه عن أبيهم آدم، أو هو «أقنوم» من الأقانيم الثلاثة التي تتكون منها الألوهية عند النصارى: «الإله الأب، والإله الابن، والروح القدس».
تجارب المنصّرين الفاشلة:
والمشكل هنا: أن المسلمين يؤمنون كل الإيمان بأن دينهم هو الدين الخاتم، الذي ختم الله به النبوات، وأنّ كتابهم هو المهيمن على الكتب كلها، وأنه الكتاب المعجز، والكتاب المحفوظ، الذي لا يعتريه تحريف ولا تبديل. وأن دينهم جاء متممًا لما جاءت به الرسالات السابقة، ومصحِّحًا لما وقع فيها من أوهام وأخطاء وتحريفات على مر الزمان.
ومن الصعب إخراج المسلم من دينه ليعتنق دينًا آخر، ويتحوَّل محمد وأحمد وعلي وحسن وحسين إلى جورج وحنَّا وبطرس، هذا أمر يكاد يكون مستحيلًا في العادة.