الحملة التنصيرية على مصر:
لقد جرَّب المنصرون ذلك في أول القرن العشرين في عدد من الأقطار، ومنها مصر، بلد الأزهر، وبلد القرآن والعلم الديني.
وكانوا يبعثون الحملات إلى القرى، ممن جهّزوهم بمعرفة العربية، وحفظ القصص عن المسيح والعذراء، إلى غير ذلك. ويظل المنصر يحكي للناس هذه القصص والناس سكوت، فيحسب المنصر أنهم قد قبلوا كلامه، أو فتحوا له قلوبهم، فلا يلبث أن يسمع أحد الحاضرين يقول: وحدوه! فيرد الجميع بصوت جهير: لا إله إلا الله! فيقول: كمان صلوا على النبي، فيقولون: عليه الصلاة والسلام! وهنا يشعر المنصّر أنه لم يصنع شيئًا!
وانتهت هذه الحملة التبشيرية أو التنصيرية على مصر، بتقرير كتبه رئيس الحملة قال في نهايته: سيظل الإسلام صخرة عاتية، تتحطم عليها محاولات التبشير المسيحي، ما دام للإسلام في مصر هذه الدعائم الأربع: القرآن، والأزهر، واجتماع الجمعة الأسبوعي، ومؤتمر الحج السنوي!
مخططات جديدة:
والآن قد غيّر القوم خططهم وأساليبهم وجاءوا - فيما زعموا - بمخططات جديدة، وأساليب جديدة، منها طباعة الإنجيل على طريقة القرآن، وعلى شكل القرآن، وتسمية الإصحاحات في الإنجيل «سورًا» وتسمية الفقرات آيات، والفصل بين كل إصحاح وآخر، بما يفصل به بين سور القرآن بعضها وبعض، وأهم من ذلك: قبول بعض المسلمين المتمسكين ببعض تعاليم دينهم، وتسميتهم: العيسويين، بوصف ذلك مرحلة في التحول الكامل إلى النصرانية.
ودراسات شتّى تضمَّنها هذا الكتاب الذي ترجم إلى العربية تحت عنوان «التنصير»: خطة لغزو العالم الإسلامي.
وهو ما دفع شيخنا الشيخ الغزالي بعد ذلك إلى أن يكتب كتابه «صيحة تحذير من دعاة التنصير»، وأن يحذر منه كذلك أخونا المفكر المسلم الكبير، محمد عمارة.
وقابل العلماء والدعاة والمهتمون في العالم الإسلامي، هذه الحملة، بالتوجُّس، أو الصراخ، والتحذير للأمة مما يحاك لها.
وقد عرفنا: أن التنصير قد بدأ بغزو البلاد الإسلامية بالفعل، وبخاصة البلاد الكبرى، مثل: نيجيريا أكبر بلد إسلامي في إفريقيا، ومثل إندونيسيا أكبر بلد إسلامي في آسيا، بل في العالم الإسلامي كله.
ورأينا التنصير يغيِّر هدفه وفق المكان والزمان والحال، فهو في المنطقة العربية لا يطمع في تحويل المسلم إلى نصراني بصراحة، ويكتفي بتشكيكه في الإسلام شريعة ونظامًا، إن لم يتمكن من تشكيكه فيه عقيدة وتوحيدًا، ولهذا يعمل على نشر الفكر العلماني الذي يتفق مع اللاهوت المسيحي في الجملة، في ترك ما لقيصر لقيصر، وما لله لله!
أما في غير المنطقة العربية، فهو يعمل على تحويله إلى مسيحي بالفعل، ولا سيما عن طريق المدارس التي تلتقط الطفل في صغره، وتأخذه خامة بيضاء، فتغرس فيه ما تشاء من عقائد ومفاهيم وقيم، وتنقله من دين إلى دين، وأهله وذووه لا يشعرون!