في إحدى ليالي الخميس من 2010، كانت جماعة من طلبة العلم في بلغربان تتحلق للشاي غربيّ "الدار الكـدامية" ولأن أحاديث طلبة المحاظر أيام "لخميسه" تطوف في كل الاتجاهات، وصل الحديث إلى البيروقراطية الموريتانية "والحكمة" من بدء الداوم الرسمي عند الثامنة صباحا، وتغييره في رمضان، وأثناء الحديث قال قائل في طرف المجلس: عُـمَّـالْ الدَّولة يَـطِـلْعُوا الثامنة يَغَـيْـرْ عُـمَّــالْ مـولانَ يَـطِـلْعُـوا الثـالثة!
كان ذلك الأستاذ الصديق يشير إلى أن الدرس المحظري، في تلك الفترة يبدأ الثالثة فجرا، حيث يجلس الشيخ الجليل عبد الله ولد احويبلل شرقي المنارة فيجد أمامه..
تلاميذ شتى ألف الدهر بينهم ** لهم همم عليا أجل من الدهر..
قدِموا من أصقاع شتى يطلبون العلم، فكان لديه مبتغاهم وما يفيض عن ذلك من كرم الأخلاق وبشاشة الوجه، وروحانية ما يود المرء أن له بها الدنيا وما فيها.
حضرت استقباله، في رمضان 2021، لأحد الطلبة النابهين، جاء من تنبدغه، فكان مما استقبله به الشيخ: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبش في وجوهكم .. مرحبا مرحبا مرحبا.
وفي إحدى ليالي بلغربان، لا زالت عامرة بالعلم والفضل، خرج من المسجد فجئته مع صديقي باتيلي رحمة الله عليه، لسؤاله عن أمر، فجلس على التراب شرقي المسجد لمدة نصف ساعة يشرح لنا ما أشكل علينا، وحين غاردنا إلى البيت، قال صديقي -وهو الآن في دار الحق: ما رأيت مثله تواضعا .. لن أنسى أبدا هذا الموقف!
هنالك آلاف القصص، ومر بالمحظرة آلاف الطلبة، طيلة العقود الماضية ثم تفرقوا في البلاد وفي العالم ، يذكرون فضله وعلمه وأخلاقه العظيمة، وكل واحد منهم يشعر، حرفيا، بأن له علاقة شخصية جدا بالشيخ.
إن الشيخ عبد الله ولد احويبلل يشكل خير مثال لصورة العالم الشنقيطي الذي تفرغ لتعليم الناس الخير، لوجه لله تعالى، لا يريد من الناس جـزاءً و لا شكرا، ولو لم نجد أمثاله لعسُر علينا أن نصدق ما نقرأ من سير العلماء العاملين المخلصين الزاهدين في الدنيا.
إن الشيخ يمثل خلاصة المحظرة الشنقيطية منذ اباه، فتعرف فيه من أبيه شمائلا ومن شيخه أحمدو ولد محمذن فال علمه وورعه، ومن اباه شخصيته وتربيته وعبقريته.
تنور هذا الفضاء منذ أمس بصور الشيخ، بعد سفره إلى تونس، ترافقه قلوب ودعوات الآلاف من طلبته، يرجون الله العلي القدير أن يشفيه ويرده إلى محظرته ومسجده سالما غانما ليواصل رسالته العظيمة في زمن قل فيه القابضون على جمر الإخلاص لله في تعليم الناس العلم.
هذه فرصة للدولة، ممثلة في وزارة الشؤون الإسلامية وسفارتنا في تونس، لإظهار ما يلزم من خدمة أهل العلم والزهد وتوقيرهم، فهذا شيخ جليل لم يقف قط بأبواب الإدارة، بل جاءه المسؤولون، كما جاؤوا إلى أبيه من قبل، فوجودوا عندهم العلم وخدمته والزهد فيما عند الناس.
نسأل الله العلي القدير أن يعود إلينا الشيخ في صحة وعافية.