بعد محادثات ماراتونية في مدينة بريتوريا بجنوب إفريقيا، وتوقيع الحكومة الأثيوبية وجبهة تحرير تيغراي على اتفاق يقضي بوقف الهجمات ونزع السلاح، اتفق الطرفان أمس مجددا في العاصمة الكينية نيروبي على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية لجميع محتاجيها في إقليم تيغراي الذي يعاني من صراع مسلح استمر زهاء عامين.
الاتفاقان اللذان كانا محل ترحيب إقليمي ودولي، لأنهما يؤسسان لإحلال سلام في عاصمة الاتحاد الإفريقي، يأتيان في وقت تلطخت فيه بشكل كبير سمعة رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد، الذي انتقل من رائد سلام نال جائزة نوبل، إلى قائد حرب أهلية مدمرة.
وسيواجه أبي أحمد في مرحلة ما بعد وضع الحرب أوزارها، رهانات وتحديات داخلية وإقليمية ودولية كبيرة، فعلى الصعيد الداخلي، ستكون فاتورة إعادة إعمار تيغراي باهظة، حيث شهدت البنيات التحتية في عدد من مناطق الإقليم تدميرا واسع النطاق، كما عانى السكان من قطع الخدمات الرئيسية، ما تسبب في نزوح أكثر من مليوني شخص، ستشكل إعادتهم إلى مناطقهم الأصلية تحديا كبيرا.
ولا يمكن هنا تجاهل البعد الاقتصادي والاجتماعي للنزاع الذي بدأ في نوفمبر 2020، فقد توقفت الزراعة في الإقليم الذي يساهم بنسبة تناهز 47% من الناتج القومي الأثيوبي، فيما لم يزرع إقليم أمهرة سوى 10% من مساحته الزراعية السنوية المعهودة.
ومن تداعيات ذلك، إعلان الأمم المتحدة أن نحو 7 ملايين أثيوبي يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، وأن ما لا يقل عن 13 مليون شخص يفتقرون للأمن الغذائي.
فضلا عن ذلك، فإن بناء جسور ثقة مع قيادة الإقليم وساكنته، سيكون أحد رهانات أبي أحمد خلال الفترة المقبلة، صحيح أن محو رواسب الصراع التقليدي بين التيغراي والأورومو، سيكون صعبا إن لم يكن مستحيلا، ولكن من المهم بل من المطلوب حصول مستوى من الثقة، يسمح بالاتفاق على إجراء انتخابات، تعترف جبهة تيغراي بنتائجها، ولا يتنصل منها رئيس الوزراء الحالي في حال خسر السباق.
وعلى الصعيد الإقليمي، سيكون أبي أحمد الذي نجح سابقا، في إبرام اتفاق سلام تاريخي مع إريتريا المجاورة المتهمة بالتحالف معه ضد تيغراي، مطالبا بأن يعزز العلاقات مع دول الجوار، والتي اهتزت بمستوى متفاوت جراء عامين من الصراع الداخلي المسلح، بل إن ذلك تسبب بشكل غير مباشر في توتر حدودي مع السودان.
أما على الصعيد الدولي، فإن أثيوبيا التي تشهد تنافسا دوليا واسعا، خصوصا بين القوتين العالميتين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وذلك باعتبارها بلدا استراتيجيا في منطقة القرن الإفريقي، تشوهت صورتها بشكل كبير، بسبب قيادة أبي أحمد للحرب ضد تيغراي، وعدم ركونه للتفاوض والحوار سبيلا لحل الأزمة.
وقد زاد من تشوه الصورة، رفض أبي أحمد أي وساطة دولية في الأزمة مع تيغراي، وأمضى وقتا طويلا وهو يرفض كذلك الوساطة الإفريقية، رغم احتضان عاصمة بلاده أديس أبابا لمقر الاتحاد الإفريقي.
إن التحديات ستكون كبيرة أمام أبي أحمد في المرحلة المقبلة، على صعيدي تطبيق الاتفاق مع جبهة تيغراي، وتعزيز التنمية في الشمال الأثيوبي المتضرر جراء الحرب، إضافة إلى تحسين الصورة الإقليمية والدولية، وتعزيز ثقة الشركاء في أثيوبيا كبلد سلام واستقرار.
وإلى جانب ذلك، فإن البلاد البالغ عدد سكانها 120 مليون نسمة، يتحدثون نحو 100 لغة محلية، ويتوزوعون على قوميات عديدة – الأورومو والأمهرة والتيغراي، والقوميات الصومالية، وأعراق أخرى عديدة – بحاجة إلى وضع أسس سلام قوية، تجعل بإمكان أي منحدر من قومية مختلفة أن يتولى السلطة – رئاسة الوزراء – دون أن يحدث نزاع عرقي في ثوب سياسي، تداعياته قاسية على كل الأصعدة.