لم يكن مفاجئا أن يصل الرئيس محمد ولد عبد العزيز في بحثه عن حلف سياسي إلى التحالف مع نشطاء من حركة أفلام مقيمين في فرنسا، التي أصبحت هي الأخرى منفى باريسيا للرئيس السابق الذي يعتبر أبرز قادة المؤسسىة العسكرية ومن أهم رموز السياسة والأمن في بلاده خلال العقدين المنصرمين.
لم يبدأ فطام الرجل عن السلطة حتى بدأت معركته مع النظام الجديد، وبدأ البحث عن حليف جديد، دون أن يتمكن من الوصول إلى قوة ذات شعبية وجماهيرية قادرة على التأثير السياسي في المشهد، فما لذي يجمع بين افلام والرئيس محمد ولد عبد العزيز، وما لذي يمكن أن يصل إليه تحالفهما، وإلى أي حد يمكنه الصمود أو التأثير في الاستحقاق الانتخابي القادم.؟
عزيز والقضية الزنجية..
يمكن اعتبار ولد عبد العزيز أكثر الرؤساء الموريتانيين الذين عبروا بقضية الإرث الإنساني إلى مستوى كبير من الحل، وهو ما يمثل بالنسبة له رصيدا قابلا للتسويق لدى المجتمعات والقوى السياسية الزنجية، وقد أخذت سياسة ولد عبد العزيز في هذا المجال عدة أبعاد
- الاعتراف والاعتذار باسم الدولة عن الجرائم والآثار الإنسانية لسنوات الجمر، وضمن ذلك أداء صلاة الغائب على أرواح ضحايا أحداث 1989م.
- تسوية الوضعية الوظيفية والمالية لآلاف الموظفين في المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية، حيث حصل بعضهم على متأخرات أكثر من 20 سنة، وعاد بعضهم إلى الوظيفة العمومية.
- إعادة عشرات الآلاف من النازحين إلى بلداتهم ودمجهم في الحياة النشطة.
وبموجب هذه الفعاليات المتعددة أدار ولد عبد العزيز علاقة مباشرة مع المجتمع البولاري، لكنه اصطدن بكثرة مطالب صقور حركة أفلام، ومطالبها الكثيرة، التي لا خاتمة لها، ومنعها من الترخيص لحزبها السياسي، الذي لا ينسجم مع قانون الأحزاب الذي يحظر قيام الأحزاب على أساس عرقي محض أو جهوي، أوذي نزعات انفصالية تهدد الوحدة الترابية، وهكذا واصلت أفلام أنشطتها الاحتجاجية التي تطالب فيها بتسوية ماضي الإرث الإنساني ومحاكمة الضباط المتورطين في الانتهاكات الحقوقية.
تجنيد السياسيين والنشطاء
استطاع ولد عبد العزيز خلال سنواته الأولى تجنيد عدد كبير من النشطاء والسياسيين الزنوج، واستخدم ورقة الملف العرقي في إهانة خصومه السياسيين وتهديدهم، حيث كانت ورقة الملف الإنساني عصا للابتزاز يلوح بها النظام بين الحين والآخر، كما حصل أكثر من مرة في تحريك متظاهرين من الزنوج الموريتانيين بعد تصريحات مناوئة للنظام يطلقها الرئيس السابق اعل ولد محمد فال وسياسيين آخرين محسوبين على نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.
تحالف ظرفي لمواجهة النظام
يأتي التحالف بين الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وقادة ونشطاء من حركة أفلام ضمن مساعي الطرفين لشغل مساحة من الضوء والاهتمام، إضافة إلى حرص ولد عبد العزيز على الانتقام السياسي من النظام، وتحريك جبهة خارجية ضده بعد أن أخفق في إقامة تحالف سياسي داخلي، ويرتكز هذا التحالف على مشتركات متعددة منها:
- موقف ولد عبد العزيز من نظام ولد الشيخ الغزواني الذي يعتبره خصمه الأول.
- موقف النشطاء الفلاميين من نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي يعتبرونه نظاما يعمل على التمكين للعربية ومضايقة الهوية الفرنكفونية التي يستند عليها السياسيون البولار، معتبرين في نظام ولد الشيخ الغزواني تهديدا "للمكاسب الثقافية والسياسية التي حققوها خلال العقود المنصرمة"
هل يملك هذا الحلف نقاط قوة معتبرة
لا يمكن المبالغة في نقاط القوة التي يملكها تحالف "ملتزمون من أجل موريتانيا موحدة" وذلك لأسباب متعددة منها:
- ضعف التأثير الداخلي: لهذا التحالف: حيث أخفقت كل التحالفات السابقة بين أفلام والعديد من التيارات السياسية، وأخفقت كل محاولات الاندماج بينهم، مما يجعل هذا الخيار الأقل حظا في الاستمرار، نظرا لأن ولد عبد العزيز الخارج من السلطة أقل مصداقية في تحقيق مطالبهم، بعد أن فقد وسيلة القرار والتنفيذ التي كانت بيده طيلة 15 سنة.
- ضعف التأثير الخارجي: حيث لا يوجد من بين أعضاء التحالف شخصيات مشهورة باستثناء الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ولم تعد لدى الرجل أوراق كثيرة للعبها بعد فقدانه السلطة وخروجه من دائرة الحكم، ووجوده في دائرة الاتهام بالفساد وتبديد المال العام.
- ضعف التأثير الانتخابي: خصوصا أن أغلب المحسوبين على الرئيس السابق قد التحق بالنظام الحاكم، في حوار الداخلية الأخير فقد استطاع استلال فتيل الأزمة السياسية ووجه القوى السياسية إلى تحالفاتها الخاصة ووجهتها الانتخابية، مما يضيع على الرئيس السابق فرصة استغلال الأزمة السياسية التي نتجت عن إخفاق التشاور الموسع.
ورغم نقاط الضعف المذكورة، فإن الرئيس السابق وتحالفه لا يمكن أيضا التقليل من تأثيرهم في مجالات متعددة منها:
- التأثير الإعلامي: وإعادة تحريك الملف الحقوقي ضد النظام، رغم ما يمكن أن يظهر من شطط وضعف مصداقية في هذا السياق.
لأن هذا الملف خضع الأكثر من تسوية وبات الجميع مدركا أنه مجرد وسيلة للتكسب والابتزاز لدى البعض من قادة أفلام الذين حمشتهم الحرب، وسنكتهم العدمية ورفض الغير.
- إيجاد إطار سياسي لتنفيذ أعمال ونسج علاقات جديدة للرئيس السابق تمكنه من فتح قنوات اتصال مع هيئات ومنظمات دولية، من أجل إعادة تسويق نفسه وتقديمه كسياسي وخبير يمكن أن يعتمد عليه أو يستفاد من رأيه بشأن موريتانيا وربما منطقة الساحل بشكل عام.
وبين هذه الخيارات المتعددة، يبقى تحالف الرئيس السابق مع بعض قادة افلام أول تشكيلة سياسية ينجح ولد عبد العزيز في إقامتها دون أن يتمكن النظام من إفشالها أو مضايقتها، وفي ذلك نجاح فعلي وربما يكون أقوى نجاحات التحالف المذكور.