بدأ التنصير غارة جديدة على العالم الإسلامي، باجتماع كلورادو، الذي صمَّم على تنصير المسلمين في أنحاء العالم، ورصد لذلك «ألف مليون» دولار، وأنشأ لذلك معهدًا لتخريج منصّرين مسلمين، سموه «معهد زويمر» إحياء لذكرى ذلك المنصر العتيد الذي رأس المؤتمر التبشيري الكبير في القاهرة سنة 1906م.
القوم إذن جادُّون في مهمتهم، مصرون على غايتهم، ووراءهم إمكانات مالية هائلة، ودول تؤيدهم بسلطانها وقوتها، وجيوش من المبشرين والمبشرات.
بلغت منذ عدّة سنين 4.750.000 ( أربعة ملايين وسبعمائة وخمسين ألف مبشر ومبشرة في أنحاء العالم).
وقد كنت أحسب أن «المليار دولار»، الذي رصدوه لتنصير المسلمين: مبلغ كبير، حتى عرفت بعد ذلك أنهم يجمعون في بعض الأحيان مليارات لا مليارًا واحدًا، وأن المال ليس مشكلة لديهم على الإطلاق.
ومن المعلوم: أن الفاتيكان كان يعتبر - من ناحية الغنى - الدولة الثالثة في العالم بعد أمريكا والاتحاد السوفيتي.
*التنصير غزو غربي للشرق الإسلامي:*
إن المسلمين ينظرون إلى التنصير على أنه ليس مجرد عمل ديني، أو دعوة دينية خالصة، بل يرونه نوعا من الغزو الغربي للشرق الإسلامي، فقد غزانا الغرب عسكريًا، وغزانا سياسيًا، وغزانا ثقافيًا، وغزانا كذلك دينيًا.
وكانت أداته الأولى في غزونا دينيا هو هذا الذي سموه «التبشير» وسميناه «التنصير» والذي كان دائمًا خادمًا للاستعمار وممهدًا له، ومساعدًا له على استذلال الشعوب، وامتصاص خيراتها، ونهب ثرواتها، وإبقائها في حضيض الفقر والتخلّف، كما بين ذلك الذين أرّخوا لهذا التبشير وعمله في بلادنا، مثل الدكتور عمر فروخ، والأستاذ مصطفى الخالدي في كتابهما «التبشير والاستعمار»، ومثل كتاب «الغارة على العالم الإسلامي» الذي ترجمه السيد محب الدين الخطيب إلى العربية من قديم.
كنت ممن قرأ ما صنعه المنصِّرون في «كلورادو» وما قرّروه من أمر خطير، فأخذت على عاتقي أن أنبه المسلمين على هذا المكر، وأدق ناقوس الخطر، لتنبيه الأمة على ما يحاك لها، وهي في غفلة عن هذا. وليس لها قيادة توقظها وتحركها، لا سياسية ولا دينية.