في محاضرة لي في مدينة «جدة» بدعوة من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي التابع لجامعة الملك عبد العزيز، تكلمت عن هذا الموضوع بإفاضة، وقلت: لو كان الأمر بيدي لدعوت في الحال لإنشاء صندوق إسلامي نجمع فيه ألف مليون دولار، لا لأسلمة العالم، وهذا من حقنا، ولكن لحماية الوجود الإسلامي من هذا الغزو المخطط الحاقد الماكر.
وبعد المحاضرة اجتمع عدد من الإخوة الدعاة، منهم الشيخ الزنداني، ود. محمد عمر زبير، ود. أنس الزرقا، وعدد من الشيوخ والأساتذة الفضلاء، وقالوا: لماذا لا تنادي أنت بإنشاء هذا الصندوق، ولماذا تنتظر غيرك أن يقوم بهذه المهمة؟
قلت: بأي صفة أقوم بذلك؟
قالوا: بصفتك أحد علماء المسلمين، الذين تثق بهم الأمة، وتستمع إليهم، وتقرأ لهم، وتحملك المسؤولية عنهم. وأعتقد أن ثقة الأمة بك تجعل من فرض العين عليك أن تقوم بهذا الأمر، وتتبنَّاه، ونحن أول المؤيدين لك، والسائرين وراءك، فعاهدنا على ذلك ...
ولم يدعوني حتى عاهدتهم على أن أتبنّى مواجهة هذا الغزو.
وأصبحت حين أحاضر في أيِّ بلد أدعو لإنشاء هذا الصندوق الإسلامي العالمي، أو المؤسسة العالمية ذكرت ذلك في قطر، وفي الإمارات، وفي الأردن، وفي كل بلد دعيت إليه.
كلمتي في مؤتمر المصارف الإسلامية بالكويت:
ثم هيأ الله لي فرصة في الكويت في اجتماع مؤتمر المصارف الإسلامية، وكان هو المؤتمر الثاني للمصارف، بعد مؤتمر دبي الذي عقد منذ سنوات.
وفي الجلسة الختامية للمؤتمر، طلبت الكلمة، وقلت للإخوة: اسمحوا لي أن أنقلكم من جوّ المصارف والمعاملات المالية الإسلامية إلى جو آخر، هو أشد سخونة، وأعظم خطرًا، إنه يتعلق بالحفاظ على دين الأمة وعقيدتها وهويتها... وذكرت لهم ما رصد المنصِّرون لذلك «ألف مليون دولار» لنرتد عن ديننا! وأن على الأمة أن ترصد مثلها لحماية المسلمين من خطر الغزو المرتقب. وأمتنا أكثر من ألف مليون، فلو دفع كل فرد -في المتوسط- دولارًا، لجمعنا الألف مليون بسهولة، ومن هنا نرفع شعار «ادفع دولار تنقذ مسلمًا».
مهمة المؤسسة الخيرية:
وعلينا أن ننشئ لذلك مؤسسة خيرية مهمتها: أن تجمع ألف مليون دولار من المسلمين، وأن تستثمرها في الحلال، لننفق من عوائدها، ونبقي الأصل سالمًا، وأنا أقترح الكويت مقرًا لهذه المؤسسة، كما أقترح أمينًا عامًا لهذه المؤسسة أخانا الفاضل الشيخ يوسف الحجّي، «وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية سابقًا، وأحد رجالات الكويت المحبوبين والمحترمين»... وتجاوب الحضور معي، وأثنوا على قولي وكان منهم أخونا الفاضل المعطاء في كل خير؛ أبو بدر «عبد الله المطوع» رحمه الله وأثابه، فجاء وهمس في أذني، وقال: لقد أصبت وأحسنت في اختيار يوسف الحجي لهذه المهمة، فهو موضوع ثقة وقبول من الجميع، وأنا أقول لك: إني متبرع لهذا المشروع بمليون دولار أضعها لحسابه من الغد، في بيت التمويل الكويتي، ولكن أرجو أن لا تذكر اسمي، وأعلنت ذلك على الحضور، فامتلأت القاعة بالتكبير، ولم أعلن عن اسمه حسب رغبته، وإن كان الأمر قد عرف بعد ذلك، وإنما لكل امرئ ما نوى.
الحث على المشروع في خطبة الجمعة بالكويت:
بعد هذا الإعلان وجدت حماسة بالغة من الناس على كل مستوياتهم، وكنا في يوم الخميس، وقد انتهى المؤتمر وسأسافر في المساء، ولكن أخانا السيد محمد ناصر الحمضان وكيل وزارة الأوقاف في حينها، قال: أقترح أن تؤجِّل سفرك، وتبقى إلى الغد، وتخطب خطبة الجمعة، وتذاع في التلفزيون والإذاعة، وتحث الناس على هذا المشروع، وبذلك يكون له أرضية قوية. وقد استجبت لهذه الدعوة، وتم الأمر على ما يرام.
ولم يكن الشيخ يوسف الحجي موجودًا حين أعلنت عن اختياره، ليكون أمين هذه المؤسسة المنشودة، فلما حضر، وأبلغ ما قلته، رحَّب بتحمُّل المسؤولية، وقال: ما دعا إليه القرضاوي، فنحن له جنود.