كتب الصحفي محمد غلام ولد محمدو هذه مساهمة -بمناسبة عيد الاستقلال الوطني- في إماطة اللثام عن تاريخ هذا القائد الموريتاني العظيم، الذي لم يعطه باحثونا ومؤرخونا ما يستحقه من ذكر وإشادة، رغم جهاده البطولي ضد الاستعمار: قتله المستعمر بالسم وخطط لنفيه.. مولاي ولد احميادة القائد المجاهد. لم يحظ أي من زعماء قبائل المنكب البرزخي -في المصادر الفرنسية- بالاهتمام، مثلما حظي شيخ قبيلة "لعلب" مولاي ولد احميادة ولد ابيبكر، خصوصا في المراحل الأولى لعملية الغزو، حيث ناصبهم العداء علنا وخاض حربا شرسة ضدهم إلى أن تمكنوا منه وقتلوه. وتظهر المصادر الفرنسية أن "التصرف" مع هذا "القائد الخطير والخائن" وإخضاعه بالقتل أو النفي إلى الكونغو الفرنسي، كان موضع نقاش على مستويات عليا في الإدارة الفرنسية بغرب أفريقيا عموما. وتكشف الوثائق الفرنسية عن أن مولاي ولد احميادة قاتل الفرنسيين، وحرض على قتالهم، ودعا للهجرة عنهم ومنابذتهم. كما تظهر الوثائق ذاتها -كما سنرى- عن طموح شخصي كبير للرجل قاده لخوض مفاوضات مع المستعمر تبلورت في شكل "مشروع اتفاقية" وقعها مع الإدارة الفرنسية، لكن لم تلبث مستويات عليا في تلك الإدارة ذاتها أن نقضتها. ويبدو أن مولاي، الذي يصفه الرائد فريرجانه في مذكراته "قصص مغامرات وجولات وحروب في بلاد البيظان"بأنه "محارب شجاع يعرف المكائد وصاحب تجربة"، كان لديه طموح بأن يكون له -باعتراف الفرنسيين- دور بارز في الترارزة في حدودها القديمة وفي المناطق المحاذية لها خصوصا إلى الشمال الغربي. بيد أن الإدارة الاستعمارية كانت في غاية الحذر منه، بل إن فريرجانه نفسه يصفه بأنه "أخطر صديقا منه عدوا". وتتحدث المصادر الفرنسية عن مولاي ولد احميادة بمزيج من الإعجاب والبغض، فتارة تصفه بالقائد الخطير والخائن، وطورا بالمحارب الشجاع، والإنسان العظيم، ويقول فريرجانه -الذي أسهب في رسم صورته كما سنرى- بأنه يشعر بالضآلة أمامه. خيارات متعددة وفي رسالة مؤرخة في فاتح فبراير/شباط 1907 إلى مفوض الحكومة العامة في موريتانيا المقيم في سينلوي، العقيد برنارد لوران مونتاني كابديبوسك ((Bernard Laurent Montané-Capdebosq، يدعو الحاكم العام لغرب أفريقيا الفرنسية المقيم في داكار أرنيست روميه (Ernest Roume) إلى مزيد من "التفكير وإمعان النظر" في التعامل مع هذا "القائد الخطير". وتأتي هذه الرسالة/الجواب ردا على رسالة من المفوض العقيد كابديبوسك مؤرخة بـ13 من ديسمبر/كانون الأول 1906 تأخذ الإذن للتعامل بحزم مع مولاي ولد احميادة، حين تشير إلى أنه "حان الوقت للتصرف بقوة ضد هذا القائد الخطير والخائن ونفيه إلى الكونغو الفرنسي". ووفقا لرسالة المفوض فإنه رغم ادعاء ولد احميادة "الوفاء" للسلطات الاستعمارية، فقد "كان هذا الزعيم في الحقيقة مناهضا لنفوذنا، ولم يكن الود الذي أظهرناه تجاهه مجديا لثنيه عن شعوره العدائي المستمر نحو دخولنا". وتضيف رسالة المفوض في سينلوي العقيد كابديبوسك أن "ذلك العداء ظهر جليا أثناء معركة عگلة الماء، حيث لم يعد هناك أدنى شك بشأن نيات هذا القائد نحونا"، وتشير صراحة إلى "القتال الذي شارك فيه بضراوة ضد القوة التي يقودها الملازم بيرجيه". لكن يظهر أن الحاكم العام في داكار أرنيست روميه كان مترددا في مسألة نفيه، لاعتبارين: أحدهما سياسي أمني، والآخر قانوني. أما السياسي الأمني، فيبدو مرتبطا بواقع الاستعمار الفرنسي على الأرض "في موريتانيا على الخصوص، حيث إن سلطتنا لم تترسخ بما فيه الكفاية، وحيث إن جميع تصرفاتنا يتم التعليق عليها بأقصى قدر من سوء النية". بل إن الحاكم العام يدعو صراحة إلى التفكير "فيما ستؤول إليه العواقب السياسية لنفي شيخ قبيلة لعلب، وما إذا كان من الممكن توقيف هذا القائد دون مصاعب خطيرة". أما الاعتبار القانوني، فينبه إليه الحاكم العام حين يؤكد أن "نفي السكان الأصليين -كما ينص على ذلك المرسوم الصادر بتاريخ 1904- يعد إجراء استثنائيا ولا يمكن تطبيقه إلا بمقرر يصدر عن الحاكم العام في اجتماع لمجلس الحكومة، وباقتراح من قائد المستعمرة التي حصلت فيها الواقعة التي تستحق العقاب". وتقترح رسالة الحاكم العام لغرب أفريقيا الفرنسية في داكار على المفوض في سينلوي "إعداد ملف متكامل حول مقترحكم (بنفيه) ليتسنى لي إحالة الموضوع أمام اللجنة الدائمة لمجلس الحكومة". دائرة الإمكان ولا يقتصر دور هذا القائد على منابذة الفرنسيين ومجالدتهم، بل كانت له مساع كما يبدو للتعاطي السياسي معهم ضمن دوائر الممكن، خصوصا في الأوقات التي وجد فيها الرجل نفسه في موقف ضعف، وبالذات بعد خضوع حليفه أحمد سالم ولد اعل أمير الترارزة. ويورد كتاب "الشيخ ماء العينين.. علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي" لمؤلفه الطالب أخيار ولد الشيخ مامينا أن مولاي ولد احميادة قبل هجرته إلى الشمال، منابذا الفرنسيين، كان قد "أعلن خضوعه للإدارة الاستعمارية بعيد خضوع أحمد سالم ولد أعل أمير الترارزة"، لكنه ما لبث أن شق عصى الطاعة وبدأ يحرض الناس على الهجرة، منسقا في ذلك مع الأمير أحمد سالم نفسه. ويقول الطالب أخيار إن كبولاني حين علم بموقف مولاي المنابذ وأنه يحرض الناس على الهجرة، غضب وطلب من الأمير سيدي ولد محمد فال "الذي سبق أن أعلن خضوعه وهو المنازع البارز للأمير أحمد سالم" أن يدعم سرية يجهزها "لتأديب مولاي". ويضيف المؤلف أن الفرنسيين تأكدوا من موقف ولد احميّادة المعادي "عندما تنقل فرع أهل سدوم من لعلب الشرقيين ونزلوا على مولاي ولد احميادة قصد الهجرة". ويتابع "وافق سيدي على هذا الطلب وتمت الإغارة على مولاي عند بئر أگننت ضحى، وخلال اشتباك خاطف قتل فيه إبراهيم بن منظوم كما قتل ولد كَـوْرَنّي من جماعة ملاي. وبعيد هذه الغارة اضطُر مولاي إلى النزوح إلى الشمال". ويشير إلى أنه بعد هجرته التي استمرت ثلاث سنوات اشترك في عدة غارات مع أولاد بالسباع على الوحدات الفرنسية في الترارزة. مفاوضات متعثرة وشكوك لكن يبدو أن السمة البارزة لتعاطي الفرنسيين معه كانت هي الحذر وانعدام الثقة، يقول الرائد فريرجانه في إطار حديثه عن مفاوضاته مع ولد احميّادة وحذره منه إنه "أخطر صديقا منه عدوا". ويقول في موضع آخر: "يجب أن أحترس من مولاي فمنذ كنت متوجها إلى اندومري (90 كلمترا شرق نواكشوط) كان هو يحرض زعماء من البيظان على الاستلاء على خروفة"، وهي قاعدة الفرنسيين الأساسية حينها وتقع قرب المذرذرة. ويسترسل في الحديث ساخرا من مولاي "إنه كان يتصور أننا نخوض المعارك كما يفعل البيظان وننقل كل عناصرنا إلى نقطة الهجوم!". وفي سفر بعد ذلك إلى نواكشوط، تحدث فريرجانه عن هجوم للاستيلاء على خروفة كان يحرض عليه مجموعة من "الأمراء"، ويقول إن "المشروع كان من تدبير مولاي". بعثة ابلانشي ولا ترجع تلك الهواجس والشكوك الفرنسية إزاءه إلى موقفه المعادي لهم فيما بعد دخولهم البلاد بشكل مباشر في عام 1902، وإنما لما سبق ذلك. ويورد فريرجانه في مذكراته -في إطار انعدام ثقته فيه- بأن "شيخ لعلب مولاي ولد احميادة.... هو الذي اتهم، بحق أو بباطل، بقطع أرجل الجمال في بعثة ابلانشي عام 1900 بضربة من سكين لمنعه من الوصول إلى آدرار وإبقائه تحت رحمته". ويتضح كما سنرى أن الأمر يتعدى مجرد الحذر أو انعدام الثقة إلى قناعة راسخة لدى الفرنسيين بأن الرجل عدو حقيقي يصعب تذليله وترويضه، وينبغي –بالتالي- أن يستبعد من أي خيار للتفاوض. طموح شخصي ويقول فريرجانه في إطار حديثه عن طموح مولاي الشخصي إنه "لا يريد أن يظل محسوبا كمناصر لأحمد سالم (أمير الترارزة).. إنه يظهر رغبته في مولاة الفرنسيين وليس أحدا غيرهم". ويسترسل في التوضيح - متحدثا عن جلسة مفاوضات مع ولد احميادة توسط في عقدها "ذو اللحية الزرقاء" أخيارهم ولد عبد الوهاب وزير أمراء الترارزة وترجمان الفرنسيين - "خاطبني مولاي حول مصالحه الشخصية.. إنه يريد أن يعامله كوبولاني معاملة قائد قوم". ويتابع فريرجانه متحدثا عن تفاصيل ما جرى في الجلسة التي عقدت في الـ13 من يناير/كانون الثاني 1904 "طلب مني (مولاي) أن أقترح ذلك كتابة ويتعهد في المقابل -تحت مراقبتنا وبالتشاور معنا عند الاقتضاء- بحماية القبائل الزاوية الضعيفة التي لا تملك السلاح، وفضلا عن ذلك سيضطلع بمهمة البريد النصف الشهري بين سينلوي ونواكشوط". ويتابع فريرجانه "لخصت كل ذلك في شكل مشروع اتفاقية وبعثتُ بها إلى كوبولاني فرد عليّ بأنه، وحده، المخول بالمفاوضات"!. ورأيي الشخصي هنا أنه –عند تلك النقطة وفي ذلك الوقت المبكر- كان قد تبلور، أو ربما اتخذ بالفعل، قرار فرنسي بتغييب مولاي عن المسرح إلى الأبد وطي صفحته، عبر القتل؛ لكن المخاوف من ردات الفعل، في أيام لم يزل المستعمر فيها يتلمس خطاه في البلاد وفق ما يشير الحاكم العام أرنيست روميه أعلاه، ومن أن مولاي هو زعيم "لعلب الذين يعتبرون أهم مقاتلي الترارزة" وفق تعبير فريرجانه، هي ما تجعل قرار التصفية يتم في ظروف غامضة، كما سنرى. ويقول القاضي زايد المسلمين بن ماء العينين إن مولاي كان "أبرز صاحب سلطة فعلية وقوة ملموسة مع انضباط وشجاعة مجموعته التروزية لعلب". صفات وعلاقات وبعد استعراض حياة ملاي الجهادية والسياسية، لا بأس هنا من حديث ولو مقتضب عن الإرث السياسي الذي أثر فيه، وعرض نتف من صفاته الشخصية، وعلاقاته مع بعض أعيان المجتمع أيام حياته، قبل الخوض في قصة استشهاده. ويقول الباحث الدكتور سيد أحمد ولد الأمير في تحقيقه لكتاب "حوادث السنين" للعلامة المختار ولد حامدٌ "كان مولاي من أبرز رجالات الترارزة في عصره وأكثرهم حكمة وشجاعة، ورث الرئاسة عن آبائه، وقد خاض حروبا ضد قبائل الشمال وخاصة أولاد دليم وأولاد اللب". وبالنسبة لآبائه ورآستهم، فقد أورد العلامة المختار ولد حامدٌ في كتابه "حياة موريتانيا" (ج: 26) قصصا لتصدر محمد ولد ابيبكر، ويقول: "وترأس بعد محمد هذا ابنه احميادة، ثم مولاي بن احميادة الذي توفي سنة 1324 هجرية، ثم أحمدُّ [و] بن مولاي ثم أخوه أحمد سالم رئيسهم اليوم". وقد خلف أحمد سالم في زعامة مجموعة لعلب الغربيين ابنه محمد ولد مولاي الذي كان عمدة لواد الناقة، وتوفي في الثالث من أغسطس/آب 2011. وقد كان جوادا ممدحا، وله باع طويل في الشعر الحساني. بورتريه ويصف الرائد فريرجانه مولاي ولد احميادة بأنه "ذو ملامح عربية واضحة، بل هو محارب شجاع يعرف المكائد وصاحب تجربة، وانتصاراته على أولاد دليم في تيرس أعطته سمعة لدى قبائل الترارزة". وتجيئ كلمات فريرجانه مليئة بالإعجاب والرهبة من هذا القائد وهو يسعى لرسم بورتريه له، حيث يقول: "مولاي إنسان عظيم، ضامر وقوي، أسمر اللون، رأسه كرأس الكواسر، ذو نظرات حية، وهو شخص حذر متملص وحركي. باختصار إنه نمط جيد للقائد المحارب"، وتصويرا لجلسة المفاوضات السالف ذكرها يقول عن نفسه ومحاوره: "فيما يخصني فقد كنت مستلقيا على كرسيي الطويل في عنفوان أزمة الروماتيزم. لقد كنت شيئا تافها في وجه هذا الشخص الضخم الذي يتزعم لصوص الصحراء"!. ورغم جانبه الجهادي الصلب الذي أولاه للمستعمر، فقد كان لمولاي جانب آخر من العطف والرحمة أولاه للضعفاء، فقد أخذ على عاتقه استرجاع القطعان التي كان يغير عليها بعض عرب وبربر الشمال وردها إلى أصحابها، فقد وقف بالمرصاد لعمليات النهب الشائنة تلك. ورغم أنه هاجر عن النصارى شمالا وانتبذ منهم مكانا قصيا كأغلب "لمْهاجْريّة"، فإنه لم يقبل أبدا أن يبرر لنفسه -كما فعل آخرون- العدوان على الأطراف التي قبلت الخضوع لهم وبقيت تحت سلطانهم. ويقول القاضي زايد المسلمين بن ماء العينين في مقال سابق إن "المحافل المبثوثة بمالها وعلمها من شمال نهر أزناگية إلى تخوم منتهى تازيازت في آدرار سطف، مدينة، بما اكتسبت من علم ومال، إلى القبيلة العربية لعلب بقيادة أهل ابيبكر". باگ فزوايت كل اتراب * حق أكبر من حقوق الناس لهل احميادة بل اركاب * المعنى فالمال والاَنفاس وبشأن علاقاته مع أعيان المجتمع، فقد كانت لمولاي ولد احميادة علاقات واسعة مع زعامات مجتمع البيظان السياسية والدينية، ويبدو أن علاقته مع أمير الترارزة أحمد سالم ولد أعل كانت حميمية وصادقة، رغم ما اعتراها أحيانا من منغصات وتضارب مصالح. كما ربط علاقات شابها المد والجزر والعداء أحيانا مع الأمير سيدي ولد محمد فال (ولد سيدي)، ومع سيدي ميلة وولد إبراهيم السالم. ومن ذاك علاقاته مع القطب الصالح والولي الشيخ سعد بوه ولد الشيخ محمد فاضل، وهو من أقنعه بالعودة جنوبا كما سنرى. كما كانت له صلاة وثيقة مع زعامات من أولاد بالسباع نسّق معهم ضد المستعمر أيام هجرته شمالا، مثل علي ولد المراكشي، والسيِّد ولد بابه ولد لحريطاني، ومحمد الشيخ ولد شاش، وإبراهيم ولد الحاج ولد غَدّة. كما ربط علاقات جيدة مع جماعة أهل أعمر اگدبيجة، من تندغة، الذين أفتى علامتهم البارز حبيب ولد الزايد (1873 - 1945) بالهجرة من البلاد وحمل السلاح ضد الغزاة الفرنسيين. وقد تحدث فريرجانه عن توطد علاقة مولاي بهم أثناء هجرتهم شمالا. كما كانت له علاقة خاصة مع العلامة التندغي (فخذ أهل سيدي المژضف) محمد بوب ولد علي ولد المختار، ويقول البحاثة إكس ولد إكس إگرك في مقال سابق عن محمد بوبه إن مولاي تنازل له عن بعض مغارم أهل احميادة "على عدة أسر من أصحابهم لسكناهم في مجاله، فكان (أي محمد بوب) يحمي تلك الأسر من ظلم الظلمة". ويقول إن محمد بوب حاول إقناع مولاي بن احمياده بالتنازل عن بعض المغارم التي له على بعض تلامذة آمنة بنت يوسف بطلب منها "فرفض بأدب، وقال له قولته المشهورة: سبعة من آبائي ماتوا دفاعا عن هؤلاء فإما أن تترك لي آمنة حقي عليهم أو تحييهم!"، ورغم ذلك -يضيف إكس - فإن مولاي، "إكراما لمحمد بوبه ولمكانته عنده تركهم بيده". وتدل تلك النتف التاريخية على امتداد نفوذ الرجل وآبائه إلى منطقة واسعة تتجاوز حدود الترارزة (في حدودها الإدارية الحالية على الأقل)، إلى مناطق في أرض الساحل الشمالية الغربية. وفاته تجمع أغلب الروايات التاريخية على أن السلطات الاستعمارية هي من قتل مولاي عبر السم، وفي رواية أخرى أنه توفي مضربا عن الطعام في سجونها يرسف في أغلاله. ويقول الطالب أخيار ولد الشيخ مامينا في مصنفه الذي سبقت الإشارة إليه إن مولاي عاد من هجرته الشمالية "بطلب من الشيخ سعد بوه الذي أخذ له الأمان عند الفرنسيين. ويشير إلى أن السطات الاستعمارية استدعته عند سهوت الماء (اركيز)، وبعد أيام قليلة من توقيفه توفي في ظروف غامضة وصلى عليه الشيخ أحمدو بمبا الذي كان (هناك) في إقامة جبرية آنذاك". ومن غموض الموقف عادة تتناسل الشائعات والروايات، ومن تلك القصص المؤلمة والمشرفة في الآن ذاته وشبه المتواترة أن الفرنسيين حين اعتقلوه ربطوه في جذع شجرة، وأنهم حين ناولوه طعاما رفض بإباء قائلا "إلِّ يـوكل مدروك ألا لحمار!" وأنه ظل كذلك إلى أن توفي جوعا. ومع ما لهذه الرواية من مصداقية وتواتر، فإننا نستبعد أن يكون "الإضراب عن الطعام" هو السبب المباشر في القتل، ونرجح أن الاعتقال بتلك الطريقة كان عملية تليين موقف واختبارا لعزيمة الرجل الصنديد. وحين لم تنجح محاولاتهم لكسر إرادته أطلقوا سراحه واختاروا قتله في صمت عبر التسميم. وقد كان حديث فريرجانه عن وفاته عابرا وغامضا، حين تحدث عن أنه طرحه المرض في سهوت الماء "فلم يلبث أن مات، ويشاع أن العجوز أخيارهم سقاه شايا مضرا بالصحة". لكن الروايات المحقِّقة تشير إلى أن الفرنسيين، وبشكل مباشر، هم من قتلوه. ويقول الباحث الدكتور سيد أحمد ولد الأمير إن رواية الترارزة هي أن "قائد الحامية العسكرية الفرنسي بسهوة الماء هو من وضع السم لمولاي بن احميادة فمات شهيدا". ويقول الباحث إكس ولد إكس إكرك في مقال له بعنوان "رحلوا في صمت" تحدث فيه عن "خطة جهنمية" انتهجها الفرنسيون غداة دخولهم البلاد وهي "استعمال تقنية القتل بالسم". ويقول إن "الشهيد مولاي ولد احميادة شيخ قبيلة لعلب الذي كان يرفض التوغل الفرنسي ويدعم ويقود المقاومة" هو أول من طالته يد الغدر الفرنسي عبر تلك التقنية. ويبقى القول إن واحدا من أبلغ الأشياء إيذاءً للمشاعر وفي التعبير عما قصده المستعمر من تنكيل به وبعائلته وطمس لذكراه هو قتله بتلك الطريقة الغامضة الدنيئة، وأنه لا يعرف له -حتى اليوم- قبر معلوم.. رحمه الله وبارك في عقبه..