لا تزال الذاكرة تحتفظ لي بألبوم كامل عن المشهد الشعبي العام لذلك اليوم.. كان التعاطي مع الحدث في حاجة للكثير من المنطقية، كنت أتوسط حشدا على الطريق الفاصل بين سوقي السبخة والميناء، وكان الحماس على أشده وكأن الشعب فى نهاية كفاح ملحمي قد استعاد الأرض والعرض من غاصب غاشم...
كان الحدث أكثر تواضعا وربما بؤسا كان الصف الأول من عسكريي تلك المرحلة قد استعاد رباطة جأشه ليواصل تدوير السلطة بين باقي الضباط المتعطشين للحكم...
استقبل قائد أركان النظام السابق ورئيس البلاد الجديد جموع الغوغاء المحتشدين ليخاطبهم بلغة فولتير ويحيي فيهم "وطنيتهم" وتعلقهم بالنظام الجديد.. كان نجاح الإنقلابيين فى مغامرتهم حدثا مجيدا لدي لا أدري لماذا؟.
لم يكن الشعب بجموعه وضوضائه معنيا -ذلك الوقت- بمصيره هو نفسه فكانت تلك مهمة أبطالنا أصحاب النياشين العارفين بمصالح البلاد والعباد...
وكانت الموسيقى العسكرية الصادحة تعزز ذاك الشعور البدائي..
لم يكن النظام الجديد بحاجة لجهد كبير في خلق نقمة شعبية على النظام السابق، فهو شعب ساذج لا يصدق أن الحكومة تكذب وللنظام السابق ما يؤخذ عليه.. كان ذاك عالم الثمانينات ببساطته.. قبل أن يتورط الشعب الطيب في لعبة أكبر منه لعبة الديمقراطية و...
الدكتور محمد مني غلام