الحمدلله رب العالمين اللهم لك الحمد على والدي العزيز وديعتِك التي أنعمت بها علينا ثم استرجعتها فإنا لك وإنا إليك راجعون.. جزاكم الله خيرًا على حسن التعازي والدعاء و الشهادة له بالخير وليس من رأى كمن سمع أو كمن عايش… هذا الأب نشهد له جميعا أنه ما ضرب أحدًا منا قط وكان بنا رحيمًا ولم ينهرنا قط إلا على أمر يخص آخرتنا فكان يقول لنا أنه لايحب ان يضايق أحدًا منا في حياته حتى ندعو له بعد موته بحب وصدق،
كان يغار كثيرا من أبناء أصدقائه الحفظة فيدرسنا بنفسه التجويد ويوصينا عليه.. ما أكثر ما أوصانا على القراءة الصحيحة للقرآن ومحاولة تدبره، ثم يعلمنا الفقه والطهارة ويوصينا على صحة الصلاة ويحفظنا الأربعين النووية فهو والله أهل الخير ونعم المربي والأب الناصح، كانت مجالسنا معه كلها دروسًا أو موعظة أو يجمعنا لدعاء ختماته التي لم يقطعها يوما حتى توفى. وكان كل ما رآني وأختي تبسم لنا وقبلنا على الجبين تأسيا بسيرة خير الورى صلى الله عليه وسلم وتوفاه الله في عامه الثالث والستين كما الحبيب المصطفى وأبو بكرٍ وعمر.. ولم آته في طلب صدقة قط إلا اعطانيه وعوضني عما أعطيت و رده لي، قليل هذا من كثير لا أعلمه أنا.
منذ ان اشتد مرضه كنت كلما انفردت معه أحاول ان استغلها لأصبره لكنه كان هو من يصبرني فعندما صار مقعدًا قال لي يا بنيتي اطمئني وارتاحي -وكانت كلمته المعهودة لنا جميعًا في كل نازلة- نحن نرى الأمور من زاوية صغيييرة جدا ولانعلم ما وراءها من الخير فيما يختاره الله لنا واختياره لنا قطعا خير بنا مما نختار لأنفسنا فيسكتني في كل مرة بحسن ظنه الذي لم ينقطع يومًا حتى توفاه الله فكانت آخر رساءله للناس قبل يوم من وفاته نرجو من الله ان ينتهي كل هذا ونرجع لكم في أتم الصحة والعافية ، كان يصبر كثيرًا على الألم فيبيت مستيقظا ولم يثنه ذلك ولا كونه صار مقعدًا ولايتصرف إلا في يديه عن القيام وانتظار الشروق وتلاوة القرآن بالأسحار فهذا دأبه في كل يوم وليلة فكنا ننام نحن ويستيقظ هو، وألاحظ أيام ضعفه من خلال قراءته في الصلاة فكان يقرأ بصوتٍ تعب من قصار السور أيامها، ويقرأ بصوت مرتفع من طِوالها أيامه الأخرى فأفرح كثيرًا.. أشهد له بتمام الصبر والرضا في رحلة ألمه ومرضه كلها، وهذا ما أراده الله منه فإذا حصل شَفَى أو استرد وديعته وكلتاهما خيرٌ منه.
ليس الحزن على قضاءٍ رضينا به وإنما على فقد مثله..فأول فجوةٍ ظهرت فينا بعده أنه لم يوقظنا اليوم لصلاة الفجر أحد