أشرف
حديث متأخر عن خطاب الرئيس الأخير
سأكتب متأخرا شيئاً (و النقاش السياسي تماماً كعصائد العيش الصالح لا تضرّها البرودة) عن الخطاب المهم للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، بمناسبة عيد الاستقلال الوطني، حيث أعتبر أن أهميته طغت على الطاقة السلبية التي يبثها بعض المدونين المفرطين في تشاؤمهم على وسائل التواصل الاجتماعية.. أولئك الذين ينظرون إلى كل ما تقوم به السلطات الرسمية من خلال نظارات سوداء.
لا يمكنني إلا أن أثمّن ما أعلن عنه الرئيس في خطابه من "زيادة الأجور الدُّنيا" (le smic) و لو أنها زيادة رمزية لم ينكشف بعد ما إذا كانت على الراتب الإجمالي Le salaire Brut أم أنه على صافي الراتب Salaire Net إلا أنه، بالإضافة لحزمة من الإجراءات الاجتماعية، يأتي في وقت يحتاجه المواطن الموريتاني، المثقل كاهله بما راكمته أزمة كورونا و حرب أوكرانيا و سنوات حكم ولد عبد العزيز.
و هنا أجل ملاحظتين:
ا- تبذل الدولة هذا الجهد الاجتماعي الملحوظ بنفس مواردها الأولى، حيث لا موارد جديدة، و لم يبدأ حتى الآن استثمار الغاز.. مما يعني أن الرجل، كضبّ الكُدى، ينحت من صخر ليخفف على المواطنين معاناتهم.
٢- لقد كانت زيادة الرواتب قناعةً شخصية من الرئيس ولد الغزواني، و لم تكن ثمرة ضغط من نقابات العمال و لا من الأحزاب السياسية و لا المجتمع المدني.
كانت المبادرة بالزيادة مهمة، رغم أن سقف تطلعات المواطنين مرتفع، و توقعاتهم غير واقعية، و شأو مطامحهم دونه خرط القتاد، فهم أشبه بالصبي الذي يريد "اللعبة" و يصرّ على اقتنائها دون أن يفكر في ظروف و إمكانيات أبيه.
من ناحية أخرى، لا يمنعنا تثمين الزيادة التي تمت دون موارد جديدة، من أن نقترح التخلص من أكثر من 80 مؤسسة تم إنشاؤها خلال فترة ولد عبد العزيز، أغلبها "برازيل اغجل"، حيث لا مردودية لها على الاقتصاد الموريتان.. ثم تحويل ميزانياتها لأولويات اجتماعية.
رغم جودة سبك الخطاب من الناحية الأسلوبية، فإنه شُحن، ملء إهابه، بالكثير من الأرقام و التفاصيل التي لا يبدو بعضها ضرورياً، مما أغرق الإنجازات في بحر متلاطم من "الأرقام" التي دفعت الكثير من المدونين و كتاب الرأي للخوض في صحتها و التشكيك في دقتها.. في حين أنه لا يمكن الاعتماد في كتابات خطابات الرؤساء على التكنوقراط دون فقهاء السياسة المحنكين، و خبراء الاتصال السياسي Communication Politique و الكتّاب الذين يتقنون تدبيج و تحبير الكلام، فهي تحتاج لـ "تويزّ" ممن يتقنون عملهم، و يضعون هناءه مواضع نَقَبه.
كان ينبغي التركيز على إنجاز أو اثنين، و الحديث عنهما بما يشفي غليل المواطنين، مما لا يطول فيُمَل و لا يقصر فيُخِل.