تشييع الأستاذ التلمساني:
في 13 من شهر رمضان 1406هـ الموافق 22 مايو 1986م، وفي يوم الأربعاء، انتقل إلى جوار ربّه الأستاذ عمر التلمساني، المرشد الثالث للإخوان المسلمين، وقد صُلي عليه في مسجد عمر مكرم، ودُفن في مقابر مدينة نصر، وشيّعته جماهير غفيرة تقدر بالألوف، من إخوان مصر وأحبائهم، على رغم حرارة جو القاهرة، ومع صيام شهر رمضان، ولم يقدِّر لي أن أشهد جنازته، فقد كنت في قطر، وإن شاركت بالدعاء له والترحُّم عليه، والحديث عنه بما يستحق.
وقد ودعته الجموع بأعين باكية، وقلوب آسية، وألسن داعية ... كلها تبتهل إلى الله عز وجل أن يسكنه الفردوس الأعلى، وأن يجزيه عن الإسلام ودعوته وأمته خير ما يجزي الدعاة الصادقين، والعلماء العاملين.
خصال الخير:
فقد كان الأستاذ التلمساني رجلًا مُحبَّبًا إلى خلق الله، لما وهبه الله من خصال الخير، وفضائل الإيمان، ومكارم الأخلاق... كان سهلًا سمحًا باسم الثغر، حيِّيًا متواضعًا، لين الجانب، رفيقًا مع القريب والبعيد، والكبير والصغير، والمسلم وغير المسلم، كأنما اقتبس ذلك من أخلاق النبوة التي أثنى الله على صاحبها بقوله: {فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَ} [آل عمران: 159].
يقول المصريون في مثله: يوضع على الجرح فيبرد! كأنما هو مرهم أو ترياق، ومع هذا لم يكن يفرّط في حق، أو يداهن في باطل؛ بل كان متمسكًا بالعروة الوثقى لا انفصام لها، علمًا وعملًا، وإيمانًا وسلوكًا، وغيرة وجهادًا.
في معتقل الطور سنة (1949):
كان معنا في معتقل الطور سنة 1949م، واتفق الإخوان المعتقلون على أن يولوه قيادتهم في المعتقل، بعد استدعاء الأستاذ البهي الخولي للتحقيق معه، امتثالًا للحديث النبوي: «إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم»، ولكنه سرعان ما استدعي هو الآخر، واختار المعتقلون بعدها الشيخ الغزالي وهو في ريعان شبابه.
في سجون عبد الناصر:
عمل مع المرشد الأول حسن البنا، ثم عمل مع المرشد الثاني حسن الهضيبي، فلما اصطدمت الثورة بالإخوان أو اصطدم الإخوان بالثورة، كان عضوًا بمكتب الإرشاد العام للجماعة، فقُدّم للمحاكمة مع من قُدّموا من قيادات الإخوان، وقد حكم عليه بخمسة عشر عامًا سجنًا مع الأشغال الشاقة، هو والعالم الأزهري الكبير الشيخ أحمد شريت رحمهما الله تعالى.