حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، "تواصل" هو أحد أبرز الأحزاب السياسية في البلد، وأرسخها تجربة في المجال السياسي وفي البناء المؤسسي؛ رغم عمره السياسي القصير، مقارنة بالأحزاب السياسية في البلد. فقد انطلق حزب تواصل سنة 2007 أو 2006 بإضافة حقبة "الإصلاحيون الوسطيون". ومع هذا العمر السياسي القصير نسبيا، والذي لا يتجاوز خمسة عشر عاما، إلا أن الحزب بنى خلال هذه الفترة تجربة سياسية وحزبية ثرية؛ سواء في شقها المؤسسي المتعلق بتسطير الوثاق والرؤى التي ترسم السياسات وتوضح الأهداف والغايات، وبناء الهياكل الحزبية وتحديد صلاحياتها، وتأسيس أعراف بناء الموقف الحزبي وإنضاج الرأي السياسي، أو في شقها السياسي المتعلق بالممارسة السياسية بجوانبها المختلفة. واستطاع حزب تواصل إضافة لذلك مواصلة الصعود السياسي ومراكمة الجهود حتى أصبح من أقوى الأحزاب السياسية في البلد صوتا ومن أكثرها تأثيرا في الحياة السياسية.
تواصل: مكاسب تتعزز:
راكم حزب تواصل خلال السنوات الماضية جملة من المكاسب جعلت منه القوة السياسية الثانية في البلاد بعد الحزب الحاكم؛ حيث حل في المرتبة الثانية في الانتخابات النيابية والبلدية سنة 2013 التي قاطعها جل قوى المعارضة، وحصل على 16 نائبا في البرلمان و13 بلدية، وتسلم زعامة مؤسسة المعارضة الديمقراطية التي كان يتزعمها حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي قاطع تلك الانتخابات.
كان العديد من المهتمين بالشأن السياسي المحلي، يرجع تقدم تواصل في انتخابات 2013 إلى مقاطعة قوى المعارضة الرئيسة لها، وبالخصوص منها حزب تكتل القوى الديمقراطية، لكن انتخابات 2018 أكدت خطأ هذا الافتراض، فقد حل حزب "تواصل" في هذه الانتخابات التي لم يتخلف عنها أي حزب سياسي، وبلغ عدد الأحزاب المشاركة فيها 98 حزبا سياسيا، في المرتبة الثانية بعد الحزب الحاكم؛ متقدما عليه في العاصمة نواكشوط مركز الثقل الانتخابي، وتاليا له في اللائحتين الوطنيتين بفارق كبير عن الأحزاب الأخرى، ومنافسا له بقوة في معظم الدوائر المحلية. وخرج حزب تواصل من هذه الانتخابات بـ14 نائبا برلمانيا و7 بلديات، والمحافظة على زعامة مؤسسة المعارضة الديمقراطية.
إن المتأمل في المسيرة السياسية لحزب تواصل سيدرك أن مكاسب الحزب السياسية تتعزز ولا تتراجع؛ حيث إن حضوره في البرلمان تحول من 5 نواب في انتخابات 2006 أوان مباردة "الإصلاحيون الوسطيون" إلى 16 نائبا في انتخابات 2013، ومع أنه تقلص إلى 14 نائبا في انتخابات 2018 إلا أنه بالنظر إلى أجواء التنافس في الفترتين 2013 و2018 يتأكد لنا أن مكاسبه السياسية لم يقع فيها تراجع. فمن المعلوم أن انتخابات 2018 كانت هي أكبر انتخابات في تاريخ البلد زخما وأكثرها حجما من ناحية المشاركة، حيث شارك فيها 98 حزبا سياسيا، في حين كانت انتخابات 2013 من أضعف الانتخابات في البلد من ناحية مشاركة الأحزاب السياسية فيها، وقد قاطعها أبرز أحزاب المعارضة.
ومن زاوية أخرى، فإنه يمكن رصد تعزز مكاسب تواصل السياسية والانتخابية من خلال مؤشرات أخرى غير الحضور في البرلمان، ومن أبرز هذه المؤشرات:
أولا: أن حزب تواصل ظهر وهو ينافس حزب النظام في جميع دوائر الوطن؛ فلئن كانت مفاجأة انتخابات 2013 هي نتائج الحوضين والعصابة، فإن مفاجأة انتخابات 2018 كانت نتائج الشمال والجنوب. وهذا يعطي مؤشرا واضحا على التمدد والتوسع، وعلى انتشار فكرة تواصل في كل مناطق البلاد.
وثانيا: هو أن حزب تواصل؛ رغم أنه لم يكسب مجلسا جهويا واحد، إلا أنه أصبح ممثلا في 11 مجالسا جهويا من أصل 13 هي مجموع المجالس الجهوية، كما أنه أيضا على الرغم من أنه لم يكسب سوى 7 بلديات من أصل 219 بلدية إلا أنه أيضا أضحى حاضرا في 92 بلدية موزعة على كل ولايات الوطن؛ منها 31 مقاطعة، و7 عواصم ولايات. وهذا يعني أن الحزب بات حاضرا في الشأن العام للبلد وممثلا في كافة الدوائر الوطنية. يعزز هذا المؤشر حملة الانتساب الأخيرة التي أطلقها الحزب، والتي تجاوز المنتسبون فيها حاجز 130 ألف منتسب في مختلف مناطق الوطن.
ثالثا: هو تَوَحُّدُ المعارضة الموريتانية بكافة أطيافها ومختلف أطروحاتها الفكرية والسياسية تحت لواء حزب تواصل سنة 2018 في الانتخابات النيابية والبلدية. وهو مؤشر قوي على ريادة الحزب في الحياة السياسية.
رابعا: صورة حسنة عن حزب تواصل وعن مشروعه السياسي عند كافة الطيف الوطني، ومن ذلك الإعجاب الكبير الذي عبر عنه سياسيون وكتاب ومدونون من مختلف التوجهات السياسية والمشارب الفكرية بحزب حزب تواصل أثناء مؤتمر الحزب الماضي (المؤتمر الثالث)، وإشادتهم بحسن تنظيم المؤتمر ونوعية ضيوفه، وبتكريس الحزب للمؤسسية والتداول على المسؤوليات التي تمثلت في التعاقب على رئاسة الحزب.
وأبرز من هذا وأكثر منه دلالة الدفاع عن حزب تواصل وعن مشروعه الوطني ونفي تهمة التطرف عنه –عند ما اتهمه بها الرئيس محمد ولد عبد العزيز - من طرف مشاهير من الكتاب والمدونين الوطنين؛ قوميين ويساريين وحقوقيين وسياسيين موالين للنظام.
تواصل: وضوح في الرؤية وحسم في الخيارات الفكرية:
ومما يحسب لحزب تواصل أنه حسم خياراته الفكرية حول الإشكالات الفكرية الكبرى المتعلق بهوية الدولة وطبيعتها، وطريق الوصول للسلطة، وثنائية العالمية والقطرية بشكل واضح؛ فأعلن في وثائقه الأولى إبان تأسيس مبادرة "الإصلاحيون الوسطيون" منطلقاته الفكرية، التي حددها في ثلاثة منطلقات أساسية:
أولها: المرجعية الإسلامية: وبهذا الحسم يكون حزب تواصل تجاوز فكرة "الحاكمية" التي وقعت فيها التباسات، وثار حولها جدل كبير إلى فكرة الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية.
ثانيها: الخيار الديمقراطي: وقد تعزز هذا الموقف النظري الحاسم باعتبار الديمقراطية هي الخيار الوحيد للتداول على السلطة، بالمواقف العملية، فجاء رفض حزب تواصل بقوة للانقلاب على الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله سنة 2008 وتصدر القوى السياسية المناهضة له.
ثالثها: الانتماء الوطني: ولم يكن هذا مجرد موقف نظري، بل سعى أهل تواصل إلى بلورة مواقف ورؤى من القضايا الوطنية، فجاءت وثيقة "إصلاح قبل فوات الأوان" ووثيقتهم حول "الرق" ووثيقتهم حول "الوحدة الوطنية"، وقد كانت هذه الوثائق من أوائل المحاولات الجادة لبلورة رؤى وحلول للإشكالات الوطنية الكبرى..
في قلب الممارسة السياسية:
ظل حزب تواصل منذ تأسيسه من أبرز الأحزاب الوطنية حضورا في الميدان السياسي؛ نقدا للاختلالات وطرحا للبدائل وصياغة للمقترحات (وثيقة إصلاح قبل فوات الأوان 2011، ووثيقة رؤيتنا للإصلاح من أجل حل توافقي 2020)، ومشاركة في حل مشاكل المواطنين (التدخلات السريعة في الطينطان، وامبود، وازرافية).
وكان نواب تواصل من أبرز الأصوات في البرلمان جهرا بالحق، وكشفا للفساد، ورصدا للاختلالات، ووقوفا في وجه القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية والقوانين التي تضيق على الحريات العامة (قانون النوع، قانون الرموز...)، كما كان عمده من أحسن العمد أداء ومن أكثرهم شفافية في التسيير بحسب تقارير وزارة الداخلية، كما كان مناضلوه هم الأكثر اندفاعا في خدمة المواطن (دروس التقوية للمترشحين للمسابقات، حملات السقاية، حملات التنظيف...).
أسس حزب تواصل أعرافا جديدة في العمل السياسي؛ مثل الإفطارات، وسقاية الطلاب في المسابقات ودورات التقوية للمترشحين في باكلوريا، وحملات التنظيف، وتنظيم السقاية في مدن الداخل في الفترة الصيفية. فأثبت بذلك أن رسالته السياسية لا تقتصر على الجوانب الإعلامية بل تتجاوز ذلك إلى الجوانب الخدمية والقرب من الناس ومشاركتهم همومهم.
رسائل المؤتمرات:
بنى حزب تواصل نموذجا متميزا في بناء المؤسسية من خلال ممارسة السياسة بروح جماعية لا بعقلية الزعيم الأوحد والقائد المتفرد، والالتزام بالاستحقاقات المؤسسية الكبرى (المؤتمرات) في مواعيدها المقررة لها، ومنح الهيئات صلاحياتها الكاملة لتمارس الفعل الديمقراطي وتتخذ ما تراه مناسبا..
وقد نظم الحزب خلال أقل من عقدين ثلاثة مؤتمرات في مواعيدها المقررة، وهو الآن في مؤتمره الرابع. ورغم الظروف التي يتم فيها هذا المؤتمر، والتي تأتي متزامنة مع انتخابات بلدية وبرلمانية على الأبواب تتطلب تحضيرا جيدا، إضافة إلى كأس العالم وما يصاحبه من انشغال الناس بمتابعته؛ رغم كل ذلك فإن الحزب تواصل عقد العزم على تنظيم مؤتمره في موعده المحدد، مهما كانت الظروف..
لم تر قيادة الحزب في مثل هذه الصعوبات مسوغا يدفعها لتأجيل المؤتمر من أجل تمديد فترتها في قيادة الحزب، أحرى أن تبحث عن مسوغات أو تختلقها من أجل ذلك، كما يحدث عادة داخل الأحزاب السياسية في هذا البلد. وفي ذلك دلالة بالغة على المستوى المؤسسي الذي وصل إليها حزب تواصل.
خلاصة:
بقي أن نقول إن حزب تواصل، رغم وصوله إلى هذا المستوى الجيد من المؤسسية ومن المكاسب السياسية، إلا أنه يحتاج من أجل الحفاظ على مكاسبه ومواصلة مراكمة جهوده أن يقف وقفة محاسبة واستغفار في مؤتمره هذا، من أجل:
- إعادة النظر في مساره بعين موضوعية من أجل إدراك أخطائه، وهي كثيرة، وتصحيحها، وأول ذلك القضاء على التجاذب داخل المؤسسة، وتعميق الانسجام فيها.
- عدم الاغترار بالمكاسب السياسية، وإلجام الطموح السياسي، وإعطاء الفرصة للتركم في البناء ليحدث التغيير بشكل طبيعي وسلس.
- زيادة التواصل مع القواعد الشعبية، وبذل مزيد من الجهود في خدمة المجتمع والتواصل معه، فالمجتمع هو صاحب السلطة الحقيقية، وكسب ثقته هو أساس النجاح السياسي.