في قرى آفطوط: المستنقعات البديل الجاهز لمياه الشرب في فصل الشتاء/ إعداد موقع الفكر

تخرج حواء  كل يوم  صباحا ومساء للحصول على الماء في مجرى الوادي المحاذي لقريتها التابعة لمقاطعة مقامة.

 يتسلح كل افراد الأسرة هنا بكل ما طالته أيديهم من أوعية لجلب الماء في هذه الرحلة السيزيقية اليومية، براميل أبلاستيكية من مختلف الأحجام والألوان، وأوعية الحديد الصلب، وحتى القرب الجلدية التقليدية،  نسوة وأطفال في مقتبل العمر يحملون الأواني على رؤوسهم الحاسرة وكواهلهم العارية، والمحظوظ هنا من يمتلك حمارا أو فرسا ليكفيه مؤنة جلب المياه، ومشاق التنقل إلى محافر المياه المتناثرة في عمق الوادي دفعة واحدة، فلا يحتاج للأوبة إلى المحافر.

بفضل موسم الأمطار  الجيد، هذا العام   فالمياه أقرب إلى السطح وأكثر غزارة من الأعوام السابقة  يعلق أحد الرعاة، وهو يرفع قدحا  مليئة بالماء، إنها طريقة نزح محافر المياه المعهودة في هذه المناطق..

على بعد أمتار تتراص الأوعية، ويتجمهر الرعاة في انتظار دورهم، فيما ترابط حمر أهلية طلبا للشرب على مقربة من المكان، وهو ما لا يتهيأ لها إلا بعد ملء الأوعية والبراميل التي ستقلها إلى مرابع القرويين ومساكنهم على بعد عشرات الأمتار.

تقول "تسلم" إنها ترد كل يوم إلى هذه الحفر لجلب المياه ورغم براميلها الأربعة إلا أن الأمر يقتضي منها وقتا من العمل العضلي المضني، ولولا مساعدة أشقائها الصغار لما استطاعت ملأ أوانيها والعودة بغنيمتها غير الباردة إلى باقي أفراد الأسرة الذين ينتظرونها على أحر من الجمر.

في الطريق البري غير المسفلت الذي يربط بين القرى تغدو قوافل جلب المياه على ظهور الحمير جيئة وذهابا، أمرا مألوفا فالبحث عن نقاط المياه وجلبها يستنزف الكثير من طاقة القرويين وجهدهم، ومع ذلك فإن جل من يخرجون فيها هن من النساء والفتيات وحتى الأطفال الذين لا يريدون أن يفوتوا مثل هذه الرحالات اليومية التي تأخذهم خارج هموم القرية ومنغصات العيش فيها، وربما تعطلهم عن المدرسة والمحظرة لبعض الوقت.

المحافر:

ثم هناك محافر المياه الضحلة في بطون الأودية ذات الماء العكر والنزح الشحيح لكنها تظل الاكثر في قرى آفطوط ربما .لسهولة رفع المياه منها وكثرة محافرها التي تعد بالمئات.

يحمتل السيل في طريقه التي تسلك البطاح الزبد الرابي و ماينفع الناس فيمكث في الأرض فيشرب الناس من خيره العميم، وتمتص الأرض بعض الماء، وعندما يولي موسم الأمطار وجهه، يسيخ الماء شيئا فشيئا في باطن الأرض، ويظل يبتعد عن سطحها، هنا يبدأ السكان بحفر بعض الغدر الصغيرة التي تزودهم بالماء.

فيردون لهذه الأوشال أو الحفر لسقي دوابهم وللتزود منها بماء الشرب، وتكمن خطورة هذه الحفر بأنها مفتوحة أمام الكلاب والذئاب والحمر والقردة وكل الدواب والأنعام، فلا هي مثل الآبار التي يعسر على هذه الحيونات تسورها أو الوصول لقيعانها،  للشرب منها، ولا الماء كثير يجاوز القلتين حتى تكون له قوة يدفع بها عن نفسه.

وقد عاينا مجموعة من هذه الحفر في مقاطعات مال و أمبود ومقامة.

نزوح الشباب

يقول الشاب ولد العيد إن شح المياه قد يدفع الحواضر إلى هجرها والبحث عن أعمال حرفية في المدن المجاورة، وحتى التعاونيات الزراعية النسوية التي كانت توفر دخلا مهما كانت بساطته أصابها الكساد والبوار واختفت بالتالي منتوجاتها الهزيلة من النعناع والبطاطا والطماطم والجزر..

ولم يعد للسكان من نشاط سوى الزراعة الموسمية التي تعاني هي الأخرى من معوقات كثيرة ليس من أقلها الحاجة إلى السياجات والسدود للاستفادة من مياه الأمطار.

وتتجلى معوقات النشاط الزراعي هذا العام في غلاء المنتجات الزراعية كالدخن والفاصوليا والتي يتجاوز سعر المد منها أكثر من ألف أوقية قديمة وفق السكان.

آبار معطلة

يعتمد ساكنة آفطوط على أنواع عدة من الآبار لا يكاد يجمعها سوى الجهد الجهيد في رفع المياه منها فهناك الآبار الأسمنتية التقليدية والتي وإن بدا ماؤها أكثر صفاء إلا أن مشقة نزحها وعمق قعرها وقلة مائها تجعل منها خيارا غير مطروح لدى كثيرين خاصة في ظل الحديث عن ارتفاع ملوحة بعضها وتزايد الشوائب الضارة في البعض الآخر.

وتعتبر منطقة آفطوط من جهة لبراكنة  الحلقة الأقل حظا، فأغلب سكانها يشكوا من ندرة في الماء وملوحته.

.

أما الآبار المزودة بمضخات يدوية  فقد أخذت طريقها إلى بعض التجمعات القروية الكبيرة

وحتى مع وجود مضخة ارتوازية فإن الفقر وبدائية وسائل الحياة تجعل السكان مضطرين لشرب مياه الآبار والتي لا تحتاج دفع فاتورة استهلاك شهري ولا تتطلب أكثر من رشاء ودلو وعصا طويلة!!

ليس العطش  وضعف مرافق الإنتاج دوما لازمة شح المياه في آفطوط بل أيضا المرض واعتلال الصحة بسبب الماء الملوث والمالح وإذا كانت قرى أمبود أعلنت خالية من مرض دودة غينيا فإنها لا زالت الموطن الأول لأمراض الإسهالات وسوء التغذية الناجمين عن تلوث المياه.

جهود حكومية

وكان رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني قد أشرف من فم لكّْليته مطلع الشهر الجاري على إطلاق المرحلة الثانية من مشروع آفطوط الشرقي الممول بالتعاون بين الحكومة الموريتانية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بغلاف مالي يناهز 24 مليون يورو.

و تمتد فترة تنفيذ هذا المشروع الهام ثمانية عشر شهرا، وفق الوكالة الموريتانية للأنباء( رسمية ،  ويهدف إلى توفير مياه الشرب لأكثر من 400 مائة قرية، في ولايات لعصابة وكوركول ولبراكنه، من خلال معالجة جزء من مياه سد فم لكليته، ونقلها إلى القرى والتجمعات السكنية المستهدفة.

وفعلا باشرت بعض الشركات مد أنابيب المياه من السد( سنعود للموضوع)

ورغم تمتع المنطقة بمجاري  مائية دائمة،  كنهر السنغال وروافده،  فضلا عن بحيرة سد فم لكليته، والذي تكشف اللوحة التعريفية له أن مساحة حوض مصب السد تبلغ حوالي 8950 كم مربع،  وأنه يتسع ل 1.8مليار متر مكعب وتصل طاقته الدنيا 100مليون متر مكعب كما يمكن من توفير 800 طن من الأسماك في السنة. تلك المعطيات التي أصبحت حلما وضربا من الخيال لساكنة المنطقة والذين أصبح أقصى حلمهم توفير جرعة ماء على عطش، حتى ولو كانت من محفر مطمور أو من مستنقع آسن كما يشرح أحد السكان لموقع الفكر.