ملتقى الفكر الإسلامي العشرون 1986م في مدينة «سطيف» عن الإسلام والعلوم الإنسانية...
زيارة جامعة الأمير عبد القادر:
لم أحضر ملتقى الفكر الإسلامي التاسع عشر الذي عقد في بداية سنة 1985م بسبب رحلتي العلاجية إلى ألمانيا، ولكني عوّضت ذلك بالاستجابة لدعوة في أثناء العام الدراسي، في فصل الشتاء لزيارة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية في مدينة قسنطينة، والتي كان شيخنا الغزالي يعمل مستشارًا علميًّا لها، ويرأس مجلسها العلمي، وكان مديرها صديقنا الأستاذ الدكتور عمار الطالبي أستاذ الفلسفة الإسلامية، الذي عرفناه في ملتقيات الفكر السابقة، وقد بلغني أن الجوَّ بينه وبين الشيخ الغزالي ليس على ما يرام، وأنا أكره هذه الأجواء التي يسود فيها الخلاف، وتكثر فيها الدسائس والوشايات، ولا سيما في الجوِّ الإسلامي،
ولكن من حُسن حظي، حين استجبت للدعوة، وذهبت إلى الجزائر العاصمة، ومنها إلى مدينة قسنطينة التي تحتضن الجامعة، كان الدكتور الطالبي قد نُقل منها، وانتدب لإدارتها أحد الأساتذة، هو الدكتور نور الدين.
ومن المصادفات الغريبة: أني وجدت الدراسة في الجامعة شبه معطلة؛ لأن الطلاب مضربون عن الدراسة، لأن لهم مطالب من الجامعة، أو من الدولة لم تتحقق، ومع هذا ألقيت عددًا من المحاضرات تَدَاعى إليها الطلاب وحرصوا على حضورها، على رغم إضرابهم.
القناعة بالقليل:
كان الشيخ الغزالي موجودًا في قسنطينة في ذلك الوقت، وقد أنزلوني في منزل قريب من منزله من بيوت الجامعة، وتعهّدوا بأن يقوموا بكل ما أحتاج إليه من طعام وشراب، وأنا -ولله الحمد- رجل قليل الحاجات، قليل الطلبات، لا أكلّف مُضيّفي ما يرهقه أو يزعجه، وقد نشأت في بيئة ريفية تقنع بالقليل، وتعودت على التقشف في السجون والمعتقلات؛ ولا غرو أن أصحابي هنا لم يضيقوا بي ذرعًا، بل كانوا يُلحُّون عليّ: ألا تحتاج شيئا؟ ألا تريد مزيدًا من الطعام؟ ألا تريد؟ ... ألا تريد؟ ... وأنا حقيقة لا أريد شيئًا.
وقد قالوا قديما: القناعة كنز لا يفنى، وفي الحديث الشريف: «ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس».
ويقول أبو فراس الحمداني:
إن الغني هو الغني بنفسه ولوّ أنّه عاري المناكب حافي
ما كل ما فوق البسيطة كافيا وإذا قنعت فبعض شيء كافي.
بقيت أيامًا في قسنطينة التقيت فيها الطلاب في محاضرات عامة، والتقيت بعضهم في لقاءات خاصة، والتقيت إدارة الجامعة وعددًا من أساتذتها، وسعدت سعادة خاصة بلقاء الشيخ الغزالي، الذي أتقرَّب إلى الله تعالى بحبه والقرب منه، وما لقيته قط إلا استفدت منه.
وبعد أيامي في قسنطينة: عدت إلى العاصمة الجزائر بالطائرة، ولقيت إخواننا في وزارة الشؤون الدينية، وسلّمت عليهم، وودَّعتهم، مؤكِّدين على أن أكون معهم في ملتقى الفكر القادم في الصيف إن شاء الله.