على بعد أيام معدودات من مؤتمره الرابع، يتحول حزب تواصل إلى هو خلية نحل سياسية وإدارية، فهنالك الكثير مما ينبغي إنجازه قبل ساعة صفر المؤتمر الذي يتوقع أن يشهد تحولات كثيرة في مسيرة وقيادة الحزب الذي يمثل القوة السياسية الأهم للتيار الإسلامي الوسطي في موريتانيا.
من الحركة إلى الحزب ..مخاض سياسي عسير
أخذ الملف السياسي جزء كبيرا من اهتمام الإسلاميين مبكرا، وكان حاضرا في الأبجديات الأولى لنشأة الحركة الإسلامية الموريتانية منتصف سبعينيات القرن الماضي، حيث حرص الإسلاميون على ظهور خطابهم السياسي المتمحور أساسا حول تطبيق الشريعة الإسلامية، والخطاب الوسطي المتعدل على حد قولهم.
وقد ظهرت قوة التيار الإسلامي لاحقا بشكل منظم مع مطلع الثمانينيات، حيث كان للتيار المذكور وحاضنته من علماء وشيوخ المحاظر وعامة المتدينين دور كبير في إسقاط دستور 1981. المعروف بدستور ولد ابنيجاره، كما كان لهم دور مؤثر في مشروع تطبيق الشريعة الذي بشر به الرئيس ولد هيدالة.
ومع نظام ولد الطايع، انتقل الإسلاميون من صداقة وتحالف غير مباشرين مع النظام الجديد، عبرت عنه جزئيا بلديات 1986 و1990، إلى صراع عنيف، منذ مطلع المسلسل الديمقراطي، حيث منع نظام ولد الطايع ترخيص كل المشاريع السياسية، التي تقدم بها الإسلاميون أو كانوا جزء مؤثرا منها، وخصوصا حزب الأمة برئاسة الداعية الشهير محمد ولد سيدي يحي، وقد أجهض ظهور هذا الحزب تحالفا كان قادة التيار يسعون إلى إبرامه مع نظام ولد الطايع، ليظهر التباين القوي بين الحركة التي تميل إلى حضن النظام وجماهيرها الذين يميلون إلى المعارضة، لتقرر القيادة بعد ذلك الرضوخ لرأي الساحة وقياداتها الشعبية.
وبعد سنوات من الشتات السياسي بين الحزب الجمهوري، وحزب اتحاد القوى الديمقراطية عهد جديد، ونسخته الأخرى التكتل، وعلى وقع اعتقالات 2003 بدأ الإسلاميون محاولة فرض الوجود السياسي المستقل فاجتمعت الكلمة عبر تأسيس حزب " حمد" بالتحالف مع مجموعات سياسية اختار الجميع المرحوم الشيخ المختار ولد حرمه رئيسا لهذا الحزب، وهو التحالف الذي قابله الرئيس ولد الطايع بالحرمان من الترخيص، وزج بكثير من قيادات التيار في سياقات سياسية مختلفة في غيابات السجن في فترات متتالية، خلال سنوات 1994-1997-2001-2003-2004-2005.
وقدكان لنضالات الإسلاميين دور مشهود في مقارعة نظام ولد الطايع بل ربما كانوا عنصرا مؤثرا في نهاية حقبته.
وبسقوط ولد الطايع تنفس الإسلاميون الصعداء، وبدأ مسار جديد مع مبادرة الإصلاحيين الوسطيين التي مثلت حزبا سياسيا غير مرخص، مارس فيه الإسلاميون عملهم وتنسيقاتهم وتحالفاتهم ضمن اتفاق غير مكتوب مع السلطة الانتقالية على حالة من التهدئة مع السلطة الجديدة التي أدركت حجم شعبية الإسلاميين لدى الرأي العام الموريتاني التواق للتغيير. و انتهت مبادرة الإصلاحيين الوسطيين والحقبة التي تمثلها بترخيص حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية تواصل سنة 2007 بقرار من الرئيس المرحوم سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رغم معارضة أو عدم حماس بعض أركان حكمه لذلك.
تواصل ..من المظلومية السياسية إلى الصراع السياسي
اختار الإسلاميون لمشروعهم السياسي قيادة برئاسة الأستاذ محمد جميل ولد منصور الذي يصنف ضمن العقول الاستراتيجية للتيار، وأحد قياداته السياسية منذ منتصف تسعينيات القرن المنصرم، ولدورتين قاد ولد منصور حزب تواصل، ثم حال بينه وبين القيادة النظام الأساسي للحزب الذي لا يسمح بتجاوز مأموريتين.
وإذا كانت المأمورية الأولى لولد منصور مأمورية إنجاز وبناء سياسي توسع فيه تواصل كما وكيفا وقواعد شعبية وبنية سياسية، وعلاقات داخلية وخارجية مكنت الحزب من التوسع كما وكيفا، بتعزيز قاعدته الشعبية التي تمثل القطاع الأوسع بين جماهير القوى المعارضة، وتعزيز حضوره النخبوي في المجتمع وتأثيره الفكري داخل القوى السياسية للإسلاميين، إضافة إلى مركزية موقعه داخل المعارضة، رغم خلافاته السياسية المتصاعدة والدائمة مع تنسيقيات المعارضة التقليدية فإن مأموريته الثانية، كانت سنوات صراع سياسي عميق بين تواصل ونظام ولد عبد العزيز، كما شهد تباينات عميقة داخل الحزب في المواقف السياسية، والقضايا المجتمعية، والعلاقات مع بقية قوى المعارضة.
وكان من أبرز المحطات السياسية العميقة خلال هذه الفترة:
- أزمة الربيع العربي: التي تحمس لها قادة حزب تواصل بشكل كبير، وجعلتهم ينتقلون من المعارضة المهادنة أو الناصحة كما يسميها ولد منصور إلى معارضة ناطحة وصراع متصاعد مع النظام الذي اعتبر محاولات الثورة انقلابا شعبيا صامتا تصدى له بكل قوة، ولاحقا عندما وضعت موجة الربيع العربي أوزارها، فبدأ الرئيس عزيز بمضابقة الحزب ومحيطه وحاضنته وخاصرته المجتمعية، فأغلق عددا من المؤسسات المحسوبة على التيار الإسلامي مثل مركز تكوين العلماء وجمعية الخير ومؤسسات أخرى إضافة إلى مضايقات قوية للشيخ محمد الحسن ولد الددو وآخرين من قيادة التيار الإسلامي، وكان حل حزب تواصل ورقة يلوح بها النظام عبر رسله الذين ينذرون تواصل بمصير مشابه لمالاقته عدد من الحركات الإسلامية في الشرق العربي خلال ثورة الربيع.
- الملف الحقوقي: مثلت وثيقة "رؤية الوحدة الوطنية " لحزب تواصل وثيقة مرجعية تسربت كثير من مضامينها بعد ذلك إلى رؤى وخطابات الأحزاب والسياسيين، غير أن هذا الإجماع السياسي رافقه تشتت غير مسبوق في الرؤية والتوجهات داخل قيادات الحزب التي توزعت لاحقا بين تيارين يتباينان في تفسير وفهم الرؤية وتطبيقاتها..
- صراع الأجيال والقيادات: يمكن الجزم أن الخلاف في حزب تواصل في جوهره خلاف على الأولويات والأساليب في كثير منه وبعضه شخصي، فلا هو سجال بين مدرسة محافظة تقليدية و أخرى حداثية، وأبعد من ذلك أن يكون فئويا أوجهويا، و أنصع مثال على ذلك أن أكثر المعارضين لأطروحات الرئيس الحالي في الرأي هم القياديان محمد المختار بن ابوه، والحسن بن محمد، و اكثر الموافقين له في الرأي حبيب بن حمديت و أحمدو بن الوديعة.
يقول إسلم ولد الدمين: نحن في تيار سياسي يقوم عمله على تراكم التجربة، إذ من المفترض أن يستلم اللاحق البناء ليكمل عليه و ماشيده من قبله ليعلي، وما اجتمعت الكلمة إلا بفضل الرجال والنساء والولدان من أصحاب العزيمة والتضحية، كلهم جلدة ما بين عينه.
ولد سيدي.. داعية في قمرة الصراع السياسي
افترض الكثيرون أن يمكن اختيار رئيس تواصل الحالي الدكتور محمد محمود ولد سيدي قيادات الحزب من الخروج من دائرة الصراع والتنافس على المقعد الرئاسي الوحيد، فولد سيدي الذي ينتمي إلى ولاية لعصابة، ويعتبر ضمن الشخصيات الدعوية في التيار الإسلامي، كان من المفترض أن يخرج الحزب من ورطة التنافس والخلافات، فهل عبر به فعلا إلى جادة الوفاق؟.
استلم الأستاذ الجامعي محمد محمود ولد سيدي، حزبا قويا ذا شعبية واسعة، ومؤسسات فاعلة، وأزمات متصاعدة، وشهدت فترة ولد سيدي خروج قيادات حزبية من الصف الثالث، باتجاه الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، إضافة إلى عدد معتبر من رجال الأعمال، ينضاف إلى ذلك دخوله في خلافات مع أغلب قيادات الصف الأول في تواصل.
وإلى جانب هذه الأزمات شهد الحزب في فترة ولد سيدي انضمامات لكنها لم تكن نخبوية ولا نوعية، كما لم تشهد الفترة تعزيزا لعلاقة الحزب مع المعارضة، حيث بقي في دائرة أقرب إلى المعارضة الناصعة للنظام، ولا يعني ذلك تحميل الحزب للمسؤولية، فالظاهر أن المعارضة التقليدية تنظر للحزب كبقرة حلوب على حد تعبير البعض.
على ضفة المؤتمر الرابع.. من هو رئيس تواصل القادم
يستعرض قادة وجماهير تواصل عدة شخصيات مرشحة أو مؤهلة لقيادة الحزب في الفترة القادمة ومن أبرزها:
- رئيسه الحالي الدكتور محمد محمود ولد سيدي: الذي انتخب سنة 2017 مكرها أو كارها على الأقل لهذا المنصب، قبل أن يصبح بقاؤه في رئاسة الحزب رهانا لتيار سياسي أصبح محدودا داخل تواصل يرى في ولد سيدي حماية وضمانا لاستمرار هيمنته الزمنية على حزب الإسلاميين، حسب البعض.
ويعترض طريق ولد سيدي إلى مأمورية ثانية عقبات من أبرزها، عدم رغبته الشخصية في البقاء وسعيه للتحرر من "السجن السياسي" على حد وصف بعض المناصرين له، لكن يبقى العامل الأهم قوة المناوئين له في الحزب حسب البعض.
ويرى انصار التغيير أن ولد سيدي لم يحقق للحزب نجاحات كثيرة، حيث شهدت فترته ترهلا في بنية الحزب التنظيمية، انسحاب قيادات ومجموعة وازنة من الحزب، وتصاعدت الخلافات بين قادته، كما أن مكتبه التنفيذي وقف في وجه كثير من قراراته، وخصوصا الموقف الحدي في معارضة النظام، وسعيه إلى مقاطعة حوار الداخلية، كما أسقط بعض خياراته في تسمية ممثلي تواصل في اللجنة المستقلة للانتخابات، وهو ما يضعف حظوظه في مأمورية ثانية.
- المهندس أحمدو ولد امباله: مهندس خريج الجامعات الآلمانية، ينتمي إلى جيل القيادات الرديفة داخل الحزب ويحظى بقبول كبير في قيادات الصف الأول والثاني في حزب تواصل، وينتمي إلى مدينة تمبدغة بالحوض الشرقي، يقول أنصاره إنه رجل منجز حيث تولى عدة مهام كبيرة وأثمرت إدارته نجاحا سواء في العمليات الانتخابية في حملة سيدي محمد ولد ببكر، زيادة على نجاحه في إدارة ملف العلاقات الخارجية في الحزب، يرى فيه البعض قوة في الشخصية والكاروما والتوزن وعلاقات واسعة مع مجمل الطيف االتواصلي، ويرى مناوئوه أنه شاب لم تنضج تجربته السياسية بما فيه الكفاية.
- الحسن ولد محمد: عمدة عرفات منذ العام 2006، يوصف بالحكيم، وأحد أبرز الشخصيات السياسية والمجتمعية في تواصل، يجمعه مع رئيسه محمد محمود ولد سيدي والرئيس الغزواني الانتماء القبلي، وقد يؤدي اختياره رئيسا للحزب إلى فك ارتباطه ببلدية عرفات، ويبقى ولد محمد الذي ينتمي إلى الجيل المؤسس في حزب تواصل، خيارا مقبولا لدى بعض القيادات الحزبية، فهو يتمتع بشخصية جذابة ومحببة لدى الجميع، وله أنصاره من الصفين الأول والثاني في حزب تواصل، ويتميز على البقية بتجربته السياسية الواسعة، مهنيا وحزبيا.
وبشخصيته المرنة وطبيعته الهادئته والمتعقلة، ويمكن أن يتهمه البعض ممن لا يعرفه بعدم الحسم على حد قول بعض انصاره، وفضلا عن ذلك تقف في وجه وصوله لقمرة القيادة الحزبية، مجموعة من القيادات المؤثرة والوازنة في الحزب.
ويمكن الحديث عن مجموعة من الخيارات التي تطرح بين الفينة والأخرى وفي الصدارة منها:
الفقيه حمادي بن سيدي المختار: نائب مقاطعة كيفة لدورتين، شخصية علمية وسياسية معتبرة في الوسط التواصلي، وله مناصروه من المؤتمرين، يوصف بالاحترام والوقاروالهدوء، يرى البعض أنه قد لا يقبل الترشيح.
- المهندس حمدي بن ابراهيم: يحظى القيادي التواصلي المهندس حمدي ولد ابراهيم رئيس مجلس شورى الحزب، بالقبول والتقدير في الحزب، ينحدر من ولاية الحوض الغربي، ويحتفظ له من عملوا معه بالاحترام والتقدير، خريج الجامعات التونسية، نائب سابق في البرلمان، وقد نالت مرافعاته رضى الجميع، حيث تميزت بالدقة والمهنية والمسؤولية، يوصف بالاحترام، والتميز الخلقي، والهدوء، لكن لظروفه الصحية والمهنية فالراجح أنه لن يقبل بالترشيح لقيادة تواصل.
- الدكتور محمد الأمين شعيب: أستاذ جامعي، عمدة بلدية توجنين وأحد الشخصيات الهادئة الرزينة والمتألق في عمله البلدي، خلوق وغير صدامي داخل الحزب ينتمي إلى ولاية لعصابة، ويمتاز بعلاقات إيجابية داخل الحزب ومع شركائه السياسيين، تولى مع بداية مأمورية رئيس الحزب أمانة الإعلام لكنه سرعان ما تركها لانشغاله بالعمل البلدي، إلا أن محدودية تجربته السياسية لقصر فترة انتدابه في الحزب، وغياب طموح سياسي شخصي معلن له قد يحد من حظوظه.
- الدكتور الطيب بن محمد محمود: من أقدم القيادات الحزبية، يتميز بالأمانة والنزاهة، ورغم كفائته العلمية والإدارية ومايحظى به من احترام في الوسط الداخلي للحزب، وما يحظى به كذلك من الحفاوة والتقدير في الوسط الأكاديمي والعلمي والمهني لكنه في الراجح لن يقبل أن يتولى قيادة الحزب.
وبين هذه الخيارات المتعددة، تبقى المفاجآت ممكنة في مؤتمر تواصل القادم، وإن كان من المستبعد الخروج عن دائرة التوقع التقليدية في اختيار رئيس ثالث لأكبر أحزاب المعارضة.